وهكذا طمح الفيلسوف طموحه مرة واحدة، فهو فيلسوف وروائي وشاعر، وهو موسيقي أيضا؛ لأن قصيدته هذه قابلة للإيقاع والغناء.
والكابوس في هذه القصة راكب على أنفاس «وجودي» يريد أن يثبت مذهبه.
ومذهبه أن الألم والخجل يخلقان الشعور في الضمير، ومتى خلق الشعور في الضمير فالضمير موجود وصاحبه غير معدوم.
ومن تجارب الكابوس أن يبتلى هذا الوجودي بالتعذيب في معسكرات النازية، وأن يجيعه في روسيا، وأن يدخله في الشيوعية الصينية؛ ليتهم فتاة بريئة مخلصة بتهمة الخيانة والجاسوسية، لعله يشعر بالخجل وتبكيت الضمير فيثبت لنفسه أنه موجود.
ثم يعود إلى باريس فتنعقد المجامع ترحيبا بالمجاهد العائد من ميادينه، ويدعى إلى مجمع من هذه المجامع، فيقبل وهو ينظر إلى مكان ضيف الشرف، فإذا فيه غراب! وإذا الغراب ينعب له بصوت يسمعه المؤتمر كله:
فلسفتك يا هذا ليس لها وجود
فلسفتك يا هذا عدم
إنها ليست بشيء ...
وينهض فزعا على صدى هذا النعيب فيسمع نفسه يصيح: ها أنت أخيرا تتعذب، ها أنت أخيرا موجود.
ولكنه حلم، بل كابوس، لا يذكره مدى حياته، ولا يجري ذكر الفلسفة له على لسان.
صفحه نامشخص