فقلت باسمة: ألا تملك موهبة الفتى الأول في السينما؟ - وأنت ألم تجربي صوتك ولو في الحمام؟
وضحكنا رغم همنا المشترك، وقال: ليست المشكلة تحسين مرتب، ولكنها مشكلة الخلو والأثاث أيضا.
ثم واصل بعد صمت قليل: المحروقي تزوج بكل بساطة، ولكنه يعيش في مخيم مع طائفته.
تخيلت المخيم وحياته، كأنه خيال لا حقيقة. رغم ذلك هفا فؤادي إليه؛ خيمة بسيطة ولكن يخفق بين جوانحها الحب. وفاض من قلبي نبع حنان متدفق. وقال بصوت دلني على أنه يشاركني أشواقي: شد ما أريدك أكثر من أي شيء في الوجود!
انضباطي خلقة مركبة في أعماقي منذ الصغر. حواري مع رغباتي الجامحة دائما ينتصر. لم تؤثر في تجارب شاهدتها عن كثب. حافظت على تصوري الوقور لمعنى الحرية. لم أتزعزع للتهم الساخرة المألوفة بالانغلاق والرجعية، ولم أبرأ من الحزن.
محتشمي زايد
ليلة أمس رأيت فيما يرى النائم سيدي أبا ذر. العبادة تغدق علي شفافية وهابة للرؤى. لحبي الدنيا أقف عند ذاك الحظ لا أتجاوزه، وترد على خاطري هذه الحكاية: «قال محمد بن العطار، قال لي الشيخ محمد راهين يوما: كيف قلبك؟ فقلت له: لا أعرف كيفيته.» وذكرت ذلك لسيدنا شاه نقشبند، وكان واقفا فوضع قدمه على قدمي، فغبت عن نفسي فرأيت جميع الموجودات مطوية في قلبي، فلما أفقت قال: إذا كان القلب هكذا فكيف يتسنى لأحد إدراكه؟ ولهذا قال في الحديث القدسي: «ما وسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن.» ترد على خاطري تلك الحكاية فأغبط الأولياء وأتوق إلى الكرامات، ولكني أقف عند حافة بحر التصوف مستمسكا بالعبادة قانعا بها في أحضان دنيا الله، وقد يرتد بصري المتأمل الهادئ بنور من الوهاب. لا، ولا أندم على مراحل الحياة التي مررت بها؛ فقد منحت كل مرحلة نورها. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ويدق جرس الباب عند الضحى. من القادم وليس اليوم بيوم أم علي؟ وأفتح الباب فتدخل زينب هانم أم رندة. أستقبلها بترحاب وأنا أعجب لبدانتها رغم الضائقة. وتجلس في حجرة المعيشة وأسكت الراديو فتقول: لا أحد لي غيرك يا محتشمي بك.
فقلت وأنا أسائل نفسي عما جاء بها: لنا الله جميعا. - فواز بك وهناء هانم أولى بالحديث، ولكن العمل المتواصل لم يترك لهما فراغا، ولا فائدة ترجى من مخاطبة علوان؛ ففيك الكفاية والبركة.
آه، فهمت كل شيء مقدما، إنها قادمة من أجل مشكلة علوان ورندة. - إني مصغ إليك يا زينب هانم. - عندك حسن التقدير، البنت يا محتشمي بك على وشك الضياع. - لا سمح الله. - إنكم لدينا المفضلون على غيركم، ولكن حتى متى ننتظر؟!
شعرت بالخطر الزاحف نحو حفيدي المحبوب فتساءلت: زينب هانم، أليست رندة رشيدة ومثقفة وتميز بين ما ينفعها وما يضرها؟ - الحب يضل يا محتشمي بك، أصبح الحب في هذه الأيام إلها. هل تزوجت أنت عن حب يا محتشمي بك؟ هل تزوج فواز بك عن حب؟ - ولكنهما يؤمنان به.
صفحه نامشخص