DNA
المسئول عن السلوك؛ للحصول على سلالة بشرية جديدة، واجتازوا مئات السنين التي كان سيأخذها الإنسان ليصل إلى هذه المرحلة المثالية، نتيجة التطور الثقافي من خلال الدراسة للخارطة الجينية في الكروموسوم. اكتشفوا الجينات الأنانية والإيثارية، وأن الجين الأناني هو المهيمن؛ لهذا نحن كنا نولد أنانيين بالفطرة، وتدفعنا تلك الجينات لنقلها إلى أولادنا. تتحكم بالجسد بصورة غير مباشرة، وتحث الجسد أن يفعل ما هو أفضل للبقاء. لا يهمها الوسيلة؛ لذلك فالسلوك يخضع لسيطرة الجينات، وتمارس سلطتها عن طريق الجهاز العصبي، فهي صانعة السياسة الأولية، والدماغ هو المنفذ. قام العلماء بمحاكاة الانتخاب الطبيعي (البقاء للأفضل)، فتم إضعاف الجين الأناني، لصالح الجين الإيثاري الذي يبرز فجأة في الإنسان، فيضحي الإنسان بنفسه من أجل الآخر. واكتشفوا أيضا الجينات المسببة للشيخوخة، والأمراض الخطيرة كالسرطان والسكر وغيره.
ابتسم مروان وكان وجهه مشرقا وقال: لقد حققتم للإنسان ما كنا نحلم به، لقد جعلتم النفس اللوامة تسيطر على النفس الأمارة بالسوء، حتى وصلتم إلى النفس المطمئنة. كنا نحن نتحدث كثيرا ونعمل قليلا.
قدم بروسي كأسا من عصير التفاح لماري حنان الذماري، وجلس يسمع مع مروان وهي تضيف قائلة: كان لقاح الأديان يعطى للجنين عبر البلاسنتا للأم الحامل، بعد أن رزحت البشرية عهودا تحت سيطرة الأنانية. كان يعتقد في العصور القديمة أن الشيطان هو الذي يدفعهم إلى السلوك الخاطئ، والحقيقة هي الأنانية. وهكذا يا مروان كان الحكام أكثر الناس أنانية ونرجسية من غيرهم، تتضخم فيهم الأنا حين يكونون في سدة الحكم. أليس كذلك يا زائرنا العجيب؟ الأنا تجعلنا نخاف من الشيء الجديد، وتذكرنا بالماضي القديم المؤلم .. عندما نحب الغير هذا دليل على موت الأنا فينا، التي هي عبارة عن سجن للفرد، تحميه من كل شيء، تبقيه أسيرا لديها يعيش في جهل وظلمة وتبعده عن المحبة .. لا تسمح لأن يكون الفرد هو ذاته، فهي كالجدار إذا نفذ المرء منه تحرر من سيطرتها، وأصبح حرا طليقا، وليس عبدا لها.
سألها بروسي: هل وضعتم فينا نحن جينات وراثية؟!
ضحك الجميع فشعر بروسي بالخجل، ثم قال: سنصنع لأنفسنا يوما جينات مثلكم يا بشر.
ثم ذهب إلى المطبخ. قال مروان: ديننا أتى بتعاليم تسمو بالبشر كهذا اللقاح. - فعلا كانت الأديان نقلة جديدة في الحضارة الإنسانية، جاءت لتهذيب السلوك البشري، وكان الدين مكونا من روح ومادة معا، كما هو الإنسان من روح ومادة. إذا ذهبت الروح فسدت المادة أيضا. ومع مرور الزمن كانت الروح تتلاشى تدريجيا في الدين وتبقى المادة؛ لأن الأديان جميعها لم تستطع أن تهذب الأنا عند الإنسان في العصور قبل الإنسان الجديد، لم يكن الإنسان يعرف أن الكراهية والكذب والحسد والغضب والظلم والغرور وحب التملك تقلل من عمر الإنسان. وبتلقيح الأديان أطلنا عمر الإنسان في هذا العصر بطرق كثيرة، ليعطى فرصة للعطاء أكثر مما تعلمه من الحياة، عكس مدة العمر القصيرة التي يحاول فيها الإنسان السعي خلف ملذاته ومتعته.
قامت ماري حنان تجلس مع مريانا على انفراد، سألتها عن سلوك مروان وتفكيره، وشددت على مراقبته، وأخبرتها عن إمكانية أن تنتقل إليها الأنانية إذا عاودته فجأة، عن طريق الشريحة البيولوجية المشتركة بينهما التي زرعت في دماغيهما.
قضت ماري وقتا ممتعا معهم، وذهبت وهي تثني على اللقاء الروحي مع مروان. قالت ضاحكة عند خروجها: «هنيئا لكم بكنز المتعة.» طلب بروسي مشاهدة عالم مروان القديم، فضحك مروان وقال: «هل تريد أن تتثقف؟» - نعم. نريد أن نتثقف كالبشر لنكون أفضل منهم. - ماذا تقول؟! والله إنك مضحك. اصمت قبل أن آتي أطفئك وأجعلك خردة. - لن تقدر، أنا من يمكن أن أطفئ النور في عينيك.
قام مروان وكان يريد أن يتجه إلى بروسي، فأوقفته فرضانا، وقالت: عليك أن تعتذر لبروسي. - أعتذر لآلة من تروس وأسلاك؟ هذا عجيب! أين أنت يا حميدة، ضربتك عدة مرات، ورفضت أن أعتذر لك.
صفحه نامشخص