أي عجب في ذلك؟ بل أي مخالفة فيه للمعقول والمعهود؟! بل أي شيء أقرب منه إلى الفهم والتعليل؟
أيمتنع هذا القول لأنه من النفسيات، وكل ما كان من النفسيات فهو ممنوع غير مقبول؟
أيمتنع لأن قرارا مجهولا لا نعرف نحن مصدره قضى بمنعه وتحريمه، وإقصائه من عالم الفرض والتقدير؟
إننا لا ننفي أن المتنبي كان متكبرا مطبوعا على الكبرياء، ولا ننفي أن المتكبر مطبوع على أن يستصغر الناس، ولا ننفي أن صيغة التصغير تستعمل للتصغير والتحقير، فلماذا ننفي أن ولع المتنبي بالتصغير مرجعه إلى طبيعة الكبرياء فيه؟
لماذا؟ للنفسيات التي يسمع باسمها من يسمع، فيظن أنها حجاب حائل بين المتنبي والاستصغار بصيغة التصغير؟
أما أن المتنبي قد استعمل التصغير للتعظيم والتكبير، فهو إذا صح لا يمنع أن التصغير يستخدم أيضا للتصغير، بل هو الأصل والتعظيم مجاز عارض عليه.
يقول أحد: إنني رأيت المليمات في أيدي الفقراء، فيجيء سامع بالنفسيات - أو قل: سامع بالاقتصاديات - فيقول: كلا، كلا، هذا بعيد! هذا غير معقول!
هذا إقحام للاقتصاديات في شئون الحس والعيان! لأنني رأيت بعيني المليمات في خزانة المصرف الكبير، وفي خزانة الغني العظيم!
كلام ظريف!
نعم ظريف كذلك الكلام الذي يبطل باب التصغير للتصغير جملة واحدة؛ لأن التصغير قد استعمل حينا في معنى التكبير ...!
صفحه نامشخص