وظهر في «الرسالة» مقال صديقنا الأستاذ الزيات الذي يعقب به على خطاب السيدة «ليلى »، وما رأته من أن السبب المباشر والمصدر الأول لمشكلة الزواج هو المادة، وكان ختام مقاله: «إن المال إذا جعل غاية للزواج كان شقاء لمن وجدته ولمن فقدته على السواء ...»
وعندي أن المادة هي آفة العصر الحديث كله، وفي عداد مشاكله الكبرى مشكلة الزواج، فالناس لا يتهالكون على المادة ولا على اللذة العاجلة إلا إذا قل إيمانهم بالحياة، ومن ثم يغلب الشح على الشيوخ والضعفاء، كما يغلب على الشعوب التي ضاعت من أيديها السيادة وقيم الحياة العليا، فكل تهالك على المادة إنما هو بديل من الحياة الصحيحة، أو من الثقة بنفاسة الحياة، وكأنما يقول الإنسان لنفسه: علام الصبر والانتظار والإرجاء، وأي ضمان لك من الأخلاق والعواطف وهي هباء؟ إنما ضمانك الوحيد المادة التي في يديك، والمنفعة التي تسوق غيرك إليك، وكل ما عدا ذلك فهو فضول لا يجدي شيئا عليك.
لكن الزواج مشكلة كبرى، ولو خلص الناس من آفات العصر ومشكلاته، ومن ولع الشباب بمآربه ولذاته.
الزواج مشكلة؛ لأنه يحاول التوفيق بين نقائض كثيرة في الطبيعة الإنسانية، ولا يقتصر أمره على التوفيق بين فردين.
فمن الناس من يظن أن الزوجة المثلى هي المرأة المثلى؛ وهذا في اعتقادنا خطأ ظاهر يتكشف بقليل من الروية.
لأن المرأة المثلى من شأن الطبيعة.
أما الزوجة المثلى فمن شأن المجتمع والآداب الإنسانية حسبما تتعاقب بها الأزمان.
وقد تكون المرأة أنثى طبيعية من الطراز الأول في تكوين الأنوثة، وليس من اللازم بعد هذا أن تكون زوجة من الطراز الأول في معاشرتها لزوجها، وفي أمومتها، أو في رعايتها للآداب وقيودها.
وقد تكون المرأة زوجة مثلى في البيت والأمة، ومع الزوج والولد، ولا يلزم من ذلك أن تبلغ فيها الأنوثة الطبيعية تمامها.
وتنجلي هذه الحقيقة بعض الجلاء إذا تذكرنا أن الحيوان فيه إناث مثليات في عرف الطبيعة، وليس فيه زوجات مثليات على النحو الذي يتطلبه الإنسان.
صفحه نامشخص