فالمهاترات والمنابذات ميسورة للسياسيين في كل مكان، وبين كل أمة شرقية أو غربية، ولكنها بضاعة تروج إذا وجدت القبول وتكسد إذا رفضها السوق، وإنما المعول في الرواج والكساد على جمهرة الشعب لا على أهواء الساسة والوزراء.
وهناك جانب لا ننساه في هذا السياق عند المقابلة بين ساسة مصر وساسة الأمم الديمقراطية الكبرى، وذلك هو «الثقافة المتعددة» بين ساسة تلك الأمم حيث تنحصر الثقافة عندنا في باب واحد من أبواب الدراسات العامة.
فلا تكثر في مصر طائفة الساسة الذين يساهمون في العلم والفن والشواغل الاجتماعية إلى جانب مكانتهم السياسية، وأعمالهم في الدواوين وخارج الدواوين، ولكننا رأينا مع هذا وزراء مهندسين ووزراء أطباء ووزراء معلمين، وسنرى بعد اليوم وزراء يعيشون في أفق أوسع من أفق النادي الحزبي وديوان الحكومة، ولا شك أن الأوروبيين تقدموا وتخلفنا عنهم في هذا المجال؛ لأن الحكم قد أصبح عندهم عملا سياسيا وعملا اجتماعيا، وعملا فنيا قبل أن يتطور في بلادنا هذا التطور الكبير، ولعله الآن ماض في خطواته التي ندرك بها شأو السابقين، فلا نحجم أن نقول إذا سئلنا: هل عندنا سياسيون بكل معنى من معاني هذه الكلمة؟
نعم عندنا سياسيون.
الفصل الثالث والثلاثون
مساجلات
لقيني كاتب معروف يتشيع للبدع الحديثة حتى تقدم فيتركها ويتشيع لغيرها، فقال لي: إنك أنكرت «الوعي» الباطن في التصوير، وأخذت على غلاة المحدثين أنهم يعتمدونه في صورهم، مع أنك ترجع إليه في شعرك، وترسم بالقلم نظائر لما يرسمونه بالريشة.
قلت: مثل ماذا؟
قال: مثل قولك في وصف قبة الفضاء إحدى الليالي:
كأنها الهاوية المقلوبة
صفحه نامشخص