ولكن لا تنس مع هذا أن الاشتراكية تجيء إلينا إذا جلسنا في أماكننا وانتظرناها، ولا نعرف طريقها إذا نحن سبقناها إلى منتصف الطريق.
فبعد الحرب الحاضرة لن تبقى أمة واحدة على وجه الأرض بغير تسوية مشروعة بين العمال وأصحاب الأموال، وستفرض هذه التسوية فرضا بالنظم الدولية التي تقرها كبار الأمم وتتفق على تنفيذها، وربما كان إنصاف العمال شرطا من شروط الانتظام في جماعات أمم الحضارة، كما كان الاعتراف بالنقابات شرطا من شروط الدستور الذي قامت عليه عصبة الأمم بعد الحرب الماضية.
وخير لنا أن نفرض هذا الإنصاف على أنفسنا قبل أن تفرضه النظم الدولية علينا.
فإن لم يكن ذلك فإن تعميمه بالنظم الدولية أنفع لنا من التفرد بين الأمم بتجاهل مطالب العمال، والإغضاء عن حقوق العمل في صوره المختلفة؛ لأن هبوط مستوى المعيشة بين الطبقة العاملة في بلادنا يسوق إلينا الأموال الأجنبية، التي يطمع أصحابها في استغلال مرافقنا، لرخص الأجور عندنا.
فعلينا إذن أن نسبق الاشتراكية إلى منتصف الطريق، وإلا جاءتنا الاشتراكية، وفتحت أبوابنا على الرغم منا.
ونعني بسبق الاشتراكية إلى منتصف الطريق أن نؤمن بتعاون الطبقات، فنقضي على حرب الطبقات قبل احتدامها.
ولا بد من تعقل الأغنياء هنا في مواجهة الحقيقة، بل لا بد من فرض هذا التعقل على جهلائهم بهداية الزعماء الذين يعرفون الخطر قبل وقوعه، ويعطون الحق قبل أن يغصبوا عليه.
ومن آيات هذا التعقل أن يقبل أصحاب الأموال زيادة الضرائب على ثرواتهم الكبيرة لنشر التعليم، وتحسين الصحة العامة، وضمان العيش للشيوخ والعجزة، وضمان التربية وسلامة البنية للأطفال الصغار المحرومين من العائلين.
ومن آيات هذا التعقل أن يتبرع الأغنياء بالأموال لبناء المستشفيات والملاجئ والمدارس الشعبية، وإقامة المصانع وإصلاح الأرض البور تيسيرا لوسائل العمل، وتوفيرا للسلع والخيرات، فلا يكون قصاراهم من خدمة المجتمع أن يرضخوا من الضرائب طائعين أو كارهين.
وفي اعتقادنا أن الأمم تستطيع أن تحول الحركة - حركة الاشتراكية - عن مجراها الذي رسمه لها كارل ماركس، إذا هي قضت من البداية على حرب الطبقات بتعاون الطبقات.
صفحه نامشخص