وأما الأصل الثاني: وهو أن الفعل المحكم لا يصح ابتداء إلا من عالم، فلك فيه طريقان كما تقدم:
أحدهما: أن يبتدئ الدلالة في الغائب من دون قياس كما تقدم في كونه قادر، أو هو الأصح.
والثانية: إن سلك طريقة القياس وهو أن يقول: غنا وجدنا في الشاهد قادرين:
أحدهما: يصح منه الفعل المحكم.
والآخر: يتعذر عليه، كالأمي، فالذي صحت منه الكتابة المحكمة لابد أن يفارق من تعذرت عليه بمفارقة لولاها لما صح من أحدهما ما تعذر على الآخر، وقد عبر أهل اللغة عن هذه المفارقة بأن سمو من صح منه الكتابة المحكمة عالما دون الآخر، وتحقيق ذلك أنا قد علمنا ثبوت مفارقة بين من صحت منه الكتابة ومن من تعذرت عليه، ولابد من أمر لأجله فارقه ذلك الأمر، وليس إلا كونه عالما، وقد ثبتت هذه الطريقة في الغايب فيجب ثبوت الحكم، وهذه الدلالة مبنية على خمسة أصول:
أحدها: أن هاهنا مفارقة، وأنها معللة بأمر.
والثاني: أن ذلك الأمر ليس إلا كونه من صح منه الفعل المحكم عالما.
والثالث: أنه إنما وجب أن يكون عالما؛ لأنه صح منه من الأفعال المحكمة ما تعذر على غيره.
والرابع: أن هذه الطريقة قد حصلت في الغايب.
والخامس: أنه يجب أن يكون عالما.
أما الأصل الأول: فقد تقدم بيانه في مسألة قادر.
وأما الأصل الثاني: وهو أن ذلك الأمر ليس إلا صفة ترجع إليه، وهو كونه عالما، فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب أبو هاشم وجمهور المعتزلة، وكثير من الزيدية أن للعالم بكونه صفة زائدة على كونه قادرا راجعة إلى الجملة في الشاهد وإلى ذاته تعالى في الغائب، وذهب أبو الحسين وابن الملاحمي أن كونه عالما لا يرجع به إلى إلا تعلقه بالمعلومات على ما هي عليه، ولم تثبت حالة زائدة على ذلك، بل ذات القديم تعالى تقتضي له هذا التعلق بجميع المعلومات من دون واسطة، إلا أن أبا الحسين جعل هذا التعلق في الشاهد حالة للعلة في الغائب حالة لذاته تعالى.
صفحه ۲۴۹