ومن ذلك قيل: العلو لميله عمن يعاديه، وسمي الظلم اعتداء؛ لأنه ميل عن الحق، كما سمي جورا؛ لأنه ميل.
وهو في القرآن على وجهين:
أولهما: التجاوز، قال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا). أي: لا تجاوزوها إلى غيرها،: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ)، أي: يتجاوزها، ومثله: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
الثاني: الظلم، قال اللَّه تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ). أي: فمن ظلمكم فجازر. بظلمه، سمي الجزاء على الظلم ظلما.
قال الشاعر:
ألَا لَا يجهَلَن أحَدْعَلينَا ... فنجهَلُ فَوقَ جَهلِ الجاهِلِينَا
لم يفتخر هنا الشاعر بالجهل وإنما أراد الجزاء على الجهل.
والجهل هاهنا: ركون الرأس في السر، وليس هو ضد العلم.
وأول الآية: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ).
والمعنى: أن المشركين سألوا النبي ﷺ عن القتال في الشهر الحرام، فأنزل اللَّه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
فأرادوا أن يغزوه في الشهر الحرام طمعا أن تكف عنهم فسألوا منه، فأنزل الله: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ): إن استحلوا منك في الشهر الحرام شيئا فاستحل منهم مثله فيه، وأكد ذلك بقوله: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ). أي: لا يجوز ذلك بالمسلمين إلا قصاصا. ثم قال: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ). والمعنى: إنهم إن اعتدوا فقاتلوكم في الشهر الحرام فلا تقصروا عن قتالهم فيه، فيكون الاعتداء من المشركين الظلم، ومن المسلمين الانتقام.
1 / 43