وغابت ثم آبت وفي يدها كأس، فشربت شرابا استطيبته جدا حتى قلت: «طيب شرابكم.» فقالت: «الليمون بلدي، والسكر بلدي، والماء من رأس العين، وأنت عطشان.»
فضحكت ضحكة فيها تعجب وحيرة، وقلت: «وكيف يكون السكر البلدي؟» فقالت: «نحن نعقده من قصب المص، السكر غال والعصير يمد أكثر وهو ألذ.»
فقلت في نفسي: «هذه إحدى عجائبها، إنها هي.» واستولت أم نخول على المبادرة فأجبتها: «شاب من الجيرة سمعت باسمك، جئت أتعرف بك.»
فقالت بتعجب صادق: «باسمي أنا؟» - «نعم، باسمك أنت.» فسكتت وشاع الابتسام في وجهها قبل أن تقول: «طيب يا حبيبي، شباب كثير في الجيرة، فمن أنت منهم؟» فقلت لها: «فلان ابن فلان.» فتنهدت ورحبت.
ودخلت علينا صبية لا تعلم أني هناك، فارتدت مذعورة فقالت لها أمها: «منا وفينا.» فتقدمت وسلمت علي تسليم من تستلم حيط الكنيسة، وخرجت بعد أن تلقت أمر أمها بإيماءة لم أفهم معناها إلا عند الظهر.
أما أم نخول فقالت : «ترانا اليوم مهموكين بتقميع اللوز وتشميسه، وغدا لم التين وقطاف العنب، وبعده الزيتون وعصره، الحياة كلها شغل.»
فقلت: «بيتكم منفرد، ألا تضجرون وحدكم؟» فضحكت لأول مرة ضحكة عامرة وقالت: «ما عندنا وقت حتى نضجر.» فقلت: «أنت مستأهلة هذا الصيت يا ست أم النخول.» فجادت بربع ابتسامة وقالت: «ستك العضرا يا روحي، كلمة ست صارت رخيصة في زمانكم.»
وانقطع الحديث، فخلت أني أسأت إليها، ولكنها قالت: «فكري قال لي إنك مأمور حكومة، فأخذت حذري منك.» فقلت لها: «والحكومة تفزع!» فأجابت: «لا، ولكن ضرائبها تخوفنا، الحكومة ملح الأرض ولولاها ما كنا نعيش في لحف هذا الجبل، سمعنا عن الباشا الجديد أنه حط ضرائب على البقر والحمير والدجاج، أخبار لا تصدق.» - لا تخافي يا عمتي، احكي لي عن أحوالكم، عن المواسم عندكم.
فقالت: «أية مواسم تريد؟» وأخذت تعد على أصابعها: «الحرير وسط، والدخان مليح، واللوز عال، والتين ممتاز، والعنب كسر المساميك، والزيتون أكثر مما كنا ننتظر؛ سنة خير، المرعى بحر والمواشي شبعانة، والأسعار لا هي شرف ولا هي طرف.»
فقلت: «وأنت كيف؟» فأجابت: «مثل الناس، ولا باس.» فقلت: «قالوا لي عندك تسعة أولاد.» فأجابت: «وأنت الصادق، عندي عشرة، أربع بنيات وستة صبيان لألله.» - إذن عيلتكم دزينة.
صفحه نامشخص