فرفع الكاهنان أيديهما وباركا الشعب.
واضطرب الخوري موسى لأنه أعمى لا يرى ما وقع، فصاح به الخوري يوحنا صادق: بارك يا خوري موسى، دعسنا الشيطان.
لص جواد
المستر ه. ك. تاجر كبير في نيويورك، أتم الله نعمته عليه فراجت تجارته، يغص مخزنه كل يوم بالناس؛ هذا ينتقي، وهذا يدفع ما عليه، وذاك يساوم ولكن على غير ما ألفناه نحن في البيع والشراء، وتلك تخرج لأنها لم تجد ما يواتيها ويناسبها، فلا يتعلق بأذيالها أحد ليبيعوها ما ليست في حاجة إليه.
فتيان وفتيات، سيدات وسادة، غلمان وشيوخ يزدحمون في ذلك البيت العظيم، يكادون يتدافعون بالمناكب لولا ما تواضع عليه القوم في تلك الديار، وما عرفوا به من الكياسة والتؤدة في آداب الاجتماع، فلا تكاد تسمع ضوضاء في المخزن، فحديثهم كله وشوشة وهمس أشبه بوشوشة الحلي في معصم الحسناء المتأنقة، وهكذا قل عن عمال المخزن، فإنهم في شغل دائم، والابتسامة على أفواههم، لا يتذمرون ولا يجهرون بسآمة ولا ملل، هذا يرزم البضائع ويسلمها، وذاك يعرضها ويعين أثمانها، والقائم على الصندوق يقبض ويدفع، وهكذا دواليك.
المخزن غاص بالمشترين، والمستر ه. ك. على كرسيه يستعرض شئون تجارته، ويراقب عماله غير متعمد، تارة يقبل على مدير العمل يناقشه في بعض النظريات، وطورا يجالس عميلا كبيرا يجلسه إلى جانبه هنيهة، حتى إذا فرغ من كل هذا تناول صحف النهار ونشرها أمامه يطالعها، وإذا أقبل عليه مشتر - غلطا - صرفه بلطف وكياسة إلى من يعنيه أمره.
هذه الحركة في مخازن المستر ه. ك. تتجدد ما تجدد النهار، وصاحبها ينعم وثروته تنمو.
استسمنه اللصوص فنقبوا مخزنه الذي وصفنا، وافتتحوا معقل ثروته الحصين، ذلك الصندوق الحديدي المصفح، ولا تسل كيف؛ ففي اللصوص في تلك البلاد إخصائيون حذقوا مهنتهم حتى أصبحت فنا قائما برأسه، هم دولة في قلب دولة، وقد عجزت عن مطاردتهم حكومة البلاد فقعدت ويدها مغلولة إلى عنقها، ولنا بفاجعة الطيار لندبرغ بابنه، وبما نقرأه عن خطفهم كبار الأغنياء وتغريم شركة ضمان الحياة بفديتهم - أسطع برهان.
درى المستر ه. ك. بالسرقة فتأثر تأثر راع سرقت له نعجة من مئات، فهز رأسه، وانشقت شفتاه حتى لا يدري الناظر إليه أيبتسم أم يهزأ، وكأنه قال في نفسه: «وما تنقد الطيور من بيدر كالهرم، فكل ما وقع عليه اللصوص دخل ثلاثة أيام، فقط ...»
وأذاعت صحف ذلك النهار في نيويورك خبر السرقة، فهز عارفو متانة البيت التجارية رءوسهم قائلين: مبلغ 50 ألف دولار، لا شيء.
صفحه نامشخص