وجودیه: مقدمهای بسیار کوتاه
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
في حالة مارتن هايدجر، نجد أن الطبيعة المخالفة للفكر الديكارتي التي يتسم بها المنهج الهيرمينوطيقي تتصدر المقدمة. نحن الآن في وسط الدائرة الهيرمينوطيقية المذكورة آنفا. يرى هايدجر أن المرء يملك بالفعل معرفة محدودة (أو ما يسميه «فهما مسبقا») بالموضوع الذي يدرسه قبل السعي إليه فعليا، وإلا فلن يهتم المرء به على الإطلاق. كان هايدجر هو من اعتبر الفينومينولوجيا هيرمينوطيقية. في واقع الأمر، عكس عمله المميز «الكينونة والزمن» مجهودا طويلا للتعبير عن فهمنا المسبق للكينونة التي تجعل وجودنا معضلا لنا. هذا أيضا سبب آخر وراء رفض معلمه - هوسرل - الاعتراف بفينومينولوجيا هايدجر باعتبارها فينومينولوجيا صادقة.
يواصل سارتر هذا المسار البحثي في كتاب «الوجود والعدم» حيث يستعين ب «استيعابنا قبل الأنطولوجي» لمجموعة متنوعة من الموضوعات المتشابكة، بداية من الكينونة واللاكينونة ووصولا إلى معيار الصدق ومشروع المرء الأساسي. يتمثل دور الوصف الفينومينولوجي في جلب هذا الوعي الضمني إلى الوعي التأملي. يتسم مثل هذا الاستيعاب بالفورية وبعد النظر، وهو يمثل دليلا ملموسا لأبحاثنا اللاحقة التي يتم التوصل إليها بالتأمل والتعبير عنها بالمفاهيم.
تبنى كارل ياسبرز المنهج الديلثي والويبري في تطبيق الهيرمينوطيقا على العلوم الإنسانية، لا سيما علم النفس والتاريخ. وقد طرح ريموند آرون في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين مفهوم الاستيعاب الذي صاغه ديلثي ووظفه ويبر بهذا التأثير في فرنسا. في حقيقة الأمر، كان عمل آرون هو الذي أثار اهتمام سارتر بفلسفة التاريخ. وقد آمن ياسبرز والآخرون بالتصور الديلثي لهيرمينوطيقا نصية سوف تمكن المرء من «أن يفهم المؤلف أفضل مما يفهم نفسه». باعتبار الهيرمينوطيقا أداة مهمة في علم الأمراض النفسية لياسبرز - مثلما ستكون لاحقا في التحليل النفسي الوجودي لسارتر - فقد قامت ب «أنسنة» العلوم الإنسانية عن طريق إتاحة «حياتها الداخلية» لنا؛ أي النوايا والغايات التي تدفع الفاعلين إلى التصرف، بخلاف «العلل» الطبيعية التي تفسر سلوكياتهم.
لكن سارتر يقدم استخداما وجوديا إنسانيا خاصا للهيرمينوطيقا في نهاية كتاب «الوجود والعدم» عندما يتبناها كمنهج ل «التحليل النفسي الوجودي». هدف هذا المشروع هو استدراج «الخيار» الأساسي أو المشروع المحدد للحياة إلى الوعي التأملي للإنسان. كما لاحظنا في
الفصل الرابع ، فهو يفترض أن الحياة ظاهرة إجمالية مثل المتوالية القصصية التي تعتمد وحدتها على تبن قبل تأملي ومستمر لمجموعة من القيم والمعايير التي تعطي معنى/اتجاها لهذه الحياة. بما أن الوعي القبلي واضح تماما وواع بذاته ضمنيا، فإن مهمة المحلل الوجودي - الذي يمكن أن يكون هو نفسه الموضوع - هي تحويل هذا الاستيعاب إلى معرفة كاملة. يتحقق هذا بمساعدة الهيرمينوطيقا أو بتأويل الرموز التجريبية «للخيار» الأساسي. ومثل شخص يسير على شاطئ رملي، يستطيع المرء أن «يقرأ» اتجاهه بالنظر إلى آثار أقدامه. يسعى التحليل النفسي الوجودي إلى الكشف، ليس عمن نتظاهر في ظل خداع للذات بأننا نكونه أو نعتقد خطأ بأننا نكونه، لكن عمن تكشف أفعالنا السابقة أننا «اخترنا» أن نكونه. على الرغم من أن سارتر لا يستخدم التعبير الذي صاغه الهيرمينوطيقي جادامر، فيبدو أنه يطلب نوعا من «اندماج» الآفاق التأويلية بين المحلل والمحلل للنجاح في هذا. لكنه يتحدث عن «استيعابنا لاستيعاب الآخر» في التجارب الاجتماعية العادية، وكذلك في كتابة سيرة ذاتية وجودية مثل سيرة جوستاف فلوبير. يبدو هذا المقابل العملي لاندماج الآفاق في فعل التأويل الناجح.
علاوة على ذلك، يفترض المنهج الهيرمينوطيقي أن أي تعبير لغوي أو أي موضوع ثقافي مترسخ في تقليد ما. لكن هذا التقليد يمكن أن يعوق التواصل أو يعززه، حسب المنهج الهيرمينوطيقي المناسب الذي يستخدم. على الرغم من أن ديلثي دافع عن الهيرمينوطيقا باعتبارها المنهج المناسب للعلوم الإنسانية بالمقارنة بمنهج العلاقات الفعالة والتفسيرات السببية التي توظفها العلوم الطبيعية، يصف هايدجر «الفهم» باعتباره الأسلوب الأساسي للإنسان لكي يوجد في العالم. يستتبع هذا أن أسلوب الفهم ليس ببساطة مكملا للعلوم الطبيعية، مثلما لمح ديلثي ومثلما حث ويبر، لكنه أساس المعرفة الإنسانية بصفة عامة. يبدو سارتر متفقا مع هايدجر بأن وعينا قبل التأملي في «الوجود والعدم» جرى التوسع فيه ليصبح «استيعابا» في «نقد المنطق الجدلي»، حيث يوصف ببساطة على أنه وضوح التطبيق العملي بالنسبة إلى نفسه. ستصبح الهيرمينوطيقا عندئذ منهجا عالميا يلائم جميع صور الفهم الإنساني. ومع هذا، يتمنى سارتر - الذي يربط بين الهيرمينوطيقا والمنطق الجدلي والتطبيق العملي - الاحتفاظ بمكان للمنطق «التحليلي» كما هو مستخدم في العلوم الطبيعية. وإلى هذه الدرجة يتفق مع ديلثي وويبر. لكنه يكدر هذا الوضوح عندما يقدم فكرة «الأيديولوجية»، أو الوعي الزائف، إلى هذا المزيج. ليس لهذا أهمية هنا إلا أنه يحذرنا من أن العين اليقظة في الوعي السارتري أكثر عرضة للتعقيدات البصرية مما كنا نتصور سابقا. ومع هذا، فحتى لو قيد هذا نطاق حرية الإنسان ومسئوليته، فإنه نادرا ما يلغيها. (4) أخلاقيات المسئولية
في عالم ما بعد بعد الحداثة، يمثل التفتيت الموروث للمبادئ الموحدة والقيم المطلقة تحديا خاصا للنظرية الأخلاقية والممارسة الأخلاقية بأي معنى يمكن إدراكه لهذين المصطلحين. بداية، يبدو أن فكرة الهوية الأخلاقية تفترض ما يسميه ديلثي «ارتباط الحياة». فمنذ العصور القديمة، كان الأخلاقيون يصرون على أن الثبات على المبدأ مقوم أساسي في الحياة الأخلاقية. يستلزم الوجود الصادق بالمعنى الهايدجري التغلب على «تشتت» مجهوداتنا في الانشغال التام والفضول غير المجدي. ويتطلع هو وسارتر إلى مشروع ثابت ومستمر، أو «اختيار» تحقيق هذه الوحدة بدلا من اللجوء إلى نوع من الهوية الجوهرية. يتصور كل فيلسوف الإنسان فردا مسئولا. وبينما كان هايدجر عازفا عن الخوض في الأخلاقيات لحين تناول المسألة الأنطولوجية عن معنى الكينونة تناولا كاملا (وهو ما لم يحدث قط)، كان سارتر متشوقا إلى «إمداد الطبقة البرجوازية بضمير مذنب» بجذب الانتباه إلى زوايا من خداع الذات (مثل إنكار المسئولية) تختلط بحياتنا اليومية. في نظر سارتر، المسئولية، مثل الحرية، موجودة في كل مكان.
فتحت شعبية عالم الأخلاق الفرنسي إيمانويل ليفيناس (1905-1995) في مجال أخلاقيات ما بعد الحداثة بابا لعودة المفاهيم والقيم الوجودية إلى الحياة، على الرغم من أنه لم يكن ينظر إليه عموما على أنه وجودي. ما جذب العديد من مفكري ما بعد الحداثة إلى موقف ليفيناس هو رفضه للأساس الميتافيزيقي للأخلاق ولجوؤه إلى خلق المسئولية محل أحد المبادئ العالمية أو القيم المجردة. لو لم يكن ليفيناس موجودا، لأوجده ما بعد الحداثيين.
ومع هذا، فحتى ما بعد الحداثيين يعترفون بالحاجة إلى مبادئ أخلاقية أساسية مثل «العدالة» التي من المعروف أن جاك دريدا ادعى أنها «ربما غير قابلة للتفكيك». وهو يعني بهذا أنها ربما غير خاضعة لمنهج دريدا المعتاد (التفكيكي) لفك وحدة مفهوم ما بتحليل «النهايات غير المترابطة» أو «الآثار» التي آواها من افتراض ميتافيزيقي سابق. بعبارة أبسط: ربما كانت العدالة قيمة مطلقة في عالم نسبي.
بالمثل، أعطى ليفيناس العدالة قيمة نسبية معينة. في نظر ليفيناس، العدالة مشتقة من مجيء الطرف الثالث على الرغم من أنها قائمة على المسئولية الأصلية عن المواجهة المباشرة، وهذا هو تصنيفه الأخلاقي الأساسي. بهذا المعنى، تشبه العدالة مفهوم سارتر عن تضاعف «وجودنا من أجل الآخرين» بظهور طرف ثالث وسطنا. مثل النفعيين من قبلهم، وجد ما بعد الحداثيين مفهوم العدالة نقطة ضعفهم. فيبدو أنه يحمل سمة غير قابلة للتفاوض يجب أن ينصاعوا لها. فلا يوجد قدر من «اللعب» (مثلما اقترح ليوتار باعتبار العدالة لعبة خطيرة بصفة خاصة) أو حيلة مجازية يمكن أن تنجح في الهروب من متطلباتها المتزمتة. ومع هذا، مثلما هو الأمر في حالة البطل التراجيدي لكيركجارد، فالعدالة الموضوعية، غير المبالية «بتخفيف وطأة الظروف»، يمكن أن تسبب أذى كبيرا.
صفحه نامشخص