وجودیه: مقدمهای بسیار کوتاه
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
جان بول سارتر
في نظر الوجوديين، تحمل الاعتبارات الأخلاقية أهمية كبرى. من المحتمل أن سارتر كان يصف نفسه، عندما كتب عن ألبير كامو عند موته، بأنه يمثل ميراث هذه السلسلة الطويلة من الأخلاقيين الذين تشكل أعمالهم ما يمكن أن يعد أكثر الأعمال أصالة في الأدب الفرنسي. من وجهة نظر سارتر، أعاد المذهب الإنساني المتعنت الذي وضعه كامو التأكيد على وجود الحقيقة الأخلاقية في مواجهة النفعيين الانتهازيين و«الواقعيين» اللاأخلاقيين في عصره.
سواء كنا ننظر إلى كيركجارد أو نيتشه، هايدجر أو ياسبرز، سارتر أو دي بوفوار، مارسيل أو كامو، فكل بطريقته الخاصة كان مهتما ب «الحقيقة الأخلاقية»؛ حقيقة أننا مغمورون بالتزامات وقيم ليست هي النتيجة المنطقية لأي سلسلة من الحقائق الموضوعية عن العالم. إذا أعدنا صياغة كلمات الفيلسوف ديفيد هيوم (1711-1776)، فإنه لا توجد حقائق يمكن أن تبرر التزاما دون وجود التزام آخر يقدم مسبقا ولو ضمنيا على الأقل خلال هذه العملية. على سبيل المثال: لو كانت نتيجتك هي أنه يجب ألا يقدم أحدهم على القتل، فلا بد أن يكون أحد أسبابك على الأقل لهذا التحريم هو الزعم بأن القتل ينتمي إلى مجموعة الأفعال التي يجب عدم ممارستها. قد يفكر المرء أن القتل تعد ظالم مع سبق الإصرار والترصد على حياة إنسان، وأنه يجب ألا يمارس المرء الأفعال الظالمة. حتى لو طالت قائمة الأسباب المقدمة، فأحد الأسباب الواردة بها هو أمر أو تحريم يؤدي إلى تحويل القائمة الوصفية إلى إلزام. وكما تقضي الحجة البالية فإنه: لا يمكن أن يستمد «واجب» القيمة الأخلاقية أو الالتزام من «واقع» التوصيف الفعلي بمجرد الربط بين أفعال لا أخلاقية. بخصوص سؤال نيتشه «لماذا أكون أخلاقيا؟» الذي يمكن أن تطرحه أيضا شخصية محب الجمال التي رسمها كيركجارد، لا يستطيع المرء أن يقدم إجابة لا أخلاقية مثل: «سيسعدك هذا»؛ إذ ستحول هذه الإجابة الفضيلة إلى أداة في يد شيء آخر، وهي السعادة في هذه الحالة، في حين أن التحلي بالأخلاق - حسبما يزعم - هو غاية في حد ذاته. إن «البطل التراجيدي» لكيركجارد، فليكن مثلا القنصل الروماني بروتس، ربما لم يكن سعيدا لحكمه على ابنه المذنب بالموت. يسمى هذا غالبا «استقلالية» العالم الأخلاقي، وهو جزء من الميراث الكانطي الذي يتشارك فيه الوجوديون؛ كل بأسلوبه الخاص طبعا.
في حالة سارتر، من الواضح أن المغزى الأخلاقي للقصة هو أن هناك دائما مغزى أخلاقيا للقصة. تذكر أنه اعترف ذات مرة أن مهمته تتمثل في خلق ضمير مذنب للطبقة البرجوازية. ليس الأمر أن سارتر كان واعظا مؤنبا، بل على العكس، كان يصر على أن يقر كل منا بما يفعله في حياته الآن. ومثل شخصية ربان السفينة لدى كيركجارد، الذي تردد في الالتفاف بالسفينة في حين أن السفينة تواصل في نفس الوقت الإبحار في اتجاهها الحالي، فنحن أيضا نواجه تحدي تحمل أن السفينة تواصل في نفس الوقت الإبحار في اتجاهها الحالي، فنحن أيضا نواجه تحدي تحمل مسئولية اختياراتنا المحددة لذاتها؛ فنتملكها وبالتالي نصبح أنفسنا عن طريق الإقرار بما نحن عليه بالفعل. هذه إحدى وصفات نيتشه كي «تكون ما أنت عليه»؛ إنها مسألة أن نعيش حقيقة أنفسنا، ووضعنا كبشر. أما الشخص غير الصادق، فهو في رأي سارتر، يعيش أكذوبة.
وما حقيقة وضعنا هذه، وكيف نعيشها؟ على الرغم من أنه من الواضح أن الأمر ينطوي على مقوم واقعي - كما سنرى - فإن الحقيقة التي يعيشها الشخص الصادق هي في الأساس أسلوب حياة؛ أي طريقة وجود. في هذا الشأن، فإنها تشبه حقيقة كيركجارد الذاتية ، الحقيقة باعتبارها تخصيصا، باعتبارها «صنيعة يده»، حيث يكون التركيز على كيف بدلا من ماذا. لكن على عكس الحقيقة الذاتية المرتبطة بالشك الموضوعي، يقوم الصدق السارتري على حقيقة واقعية عن الوضع الإنساني، على الرغم من أن هذا يستلزم أن يتحمل المرء مسئولية الطريقة التي ينوي أن يعيش بها مواقف الغموض في مستقبله.
لكن الإشارة إلى الأساس الواقعي للصدق تعيدنا إلى السؤال الجوهري الذي تطرحه الفلسفة الإنسانية: ماذا يكون الإنسان؟ ماذا يميزنا - بأي درجة - عن بقية كائنات الطبيعة؟ لقد لاحظنا أن هايدجر ينأى بنفسه عن الإجابات التقليدية عن هذا السؤال الذي رأى أنه ينتقص من قيمتنا. ومع هذا فهو من قدم لنا استخداما خاصا لمصطلح «الصدق» الذي سرعان ما أصبح الفضيلة الوجودية الرئيسية. لقد اعترف سارتر باقتباسه المصطلح من هايدجر. لكن على الرغم من أن هايدجر أصر على أن الكلمة وعكسها - عدم الصدق - لا تحملان أي دلالة أخلاقية، فإن سارتر لم يؤمن بهذا. على الجانب الآخر، ابتدع سارتر مصطلحين ذوي صلة، هما: «الصدق مع الذات»، وعكسه «خداع الذات»، منكرا أنهما يحملان دلالة أخلاقية، مع أن هايدجر أكد أنهما يحملانها بوضوح. في واقع الأمر، لقد أخطأ كلا المؤلفين، أو الأصح لم يكن كل منهما على استعداد للاعتراف بالصبغة الأخلاقية التي اصطبغت بها هذه المصطلحات، بصرف النظر عن نوايا مبتكريهما الخاصة. (1) الوجود في الموقف
لكي نستعرض الحقيقة الوجودية لوضعنا ودلالتها الأخلاقية، دعونا نبدأ بالنظرة الوجودية التي تفيد بأن البشر يوجدون في الموقف. لا يعني هذا فقط أننا لسنا أرواحا حرة تهيم فوق الكون المادي كالطيور التي ترفرف فوق صفحة الماء، بل إن الوجود في الموقف يشدد على أننا جزء لا يتجزأ من هذا الكون والعالم الحضاري الذي يغلفه. نحن أقل درجة من الملائكة، لكننا أعلى درجة من الآلات. الموقف هو مزيج غامض مما يسميه سارتر «واقعيتنا» و«تسامينا». تشير «الواقعية» إلى معطيات موقفنا مثل: العرق والبلد اللذين ننتمي إليهما، ومواطن قوتنا ونقاط ضعفنا، والآخرين الذين نتعامل معهم، بالإضافة إلى خياراتنا السابقة . أما «التسامي»، أو المدى الذي يتجاوز به وعينا هذه المعطيات، فيشير إلى مخرجات موقفنا، بمعنى: كيفية مواجهتنا هذه الواقعية. يشبه التسامي إلى حد ما «قصدية» الوعي، إذا فهمنا هذا المصطلح بمعنى ديناميكي. فقد يواجه بعض ممن ولدوا بإعاقة جسدية هذا التحدي مواجهة إيجابية وبناءة، في حين قد يسمح آخرون لأنفسهم بالاستسلام لهذه الإعاقة. يعترف سارتر بأن مصطلح «الموقف» غامض من حيث إن المرء لا يستطيع أن يقيس المساهمة الدقيقة لما هو معطى وما هو مخرج في كل موقف. على سبيل المثال: إلى أي مدى ينسب فشلي في أن أكون جراحا إلى ضعف ذكائي ومهاراتي الجسدية أو وضعي الاجتماعي الاقتصادي المعدم (الواقعية) وإلى أي مدى ينسب إلى تكاسلي العقلي وعدم انضباطي (التسامي)؟ لكن، مثلما تشير سيمون دي بوفوار، قدمت الوجودية نفسها منذ البداية باعتبارها فلسفة الغموض. لا يمكن وزن هذه العوامل الذاتية والموضوعية أو قياسها بدقة. في حقيقة الأمر، يتخلل غموض المعطيات والمخرجات حياتينا الاجتماعية والشخصية. وكما حذرنا أرسطو، فمن الخطأ السعي إلى درجة من الوضوح أعلى مما تتيح المادة؛ فأنت لا تبحث عن الدقة الرياضية في الأمور الأخلاقية، والوجودي يطبق هذا على الحياة نفسها؛ فإذا أردنا فحصها بهدف التخلص من كل الغموض لصار ذلك أشبه برسم لوحة انطباعية بأسلوب رسام الصور الظلية. لم يشدد أحد على هذا الغموض الجوهري في الموقف الإنساني أفضل من ميرلوبونتي، الذي كان فيلسوف الغموض «بلا منازع».
ما يصفه هايدجر على أنه «انغماسنا» في عالم الحياة اليومية ينطوي بالضرورة على هاتين السمتين. إذا استرجعنا البعد الزمني الذي يميز الوجود الإنساني بشكل أساسي، يمكننا أن نصف ثنائية الواقعية والتسامي هذه باعتبارها ماضينا ومستقبلنا الوجداني، على التوالي. هايدجر هو مصدر هذا التفسير الثلاثي لوقتيتنا الوجدانية، بمعنى: (1) الماضي باعتباره حقيقة أو «عملية إلقاء» (فنحن لا نحضر إلى المشهد بصفحة بيضاء لكن بماض فعلي). (2) المستقبل باعتباره «وجودا وجدانيا» أو «بروزا» (فنحن نعيش في زمن «لم يأت بعد»، زمن «الممكن»). (3) الحاضر باعتباره انغماسا في فيض همومنا اليومية.
من بين هذه الأبعاد الوجدانية، يعد بعد المستقبل - باعتباره الممكن - هو الأهم. فنحن مخلوقات تسعى إلى «الممكن». حتى مدمن الكحول المتعافي الذي يحاول أن يعيش الحياة «يوما بيوم»، لا يستطيع تجنب شبح المستقبل. وكما يعلق سارتر، يجب أن يجدد المقامر التائب وعده لنفسه كلما اقترب من غرفة المقامرة. القلق الوجودي هو تجربتنا للممكن باعتباره مكمن حريتنا. تصف نكتة قديمة رجلا يسقط من قمة مبنى شاهق، وهو يمر سريعا بالطابق الثلاثين يصرخ أحدهم قائلا: «كيف حالك؟» فتكون إجابته المتفائلة: «بخير حال، حتى الآن!» المثير للضحك بشكل مأساوي هو استخفاف هذا الشخص ببعد الممكن الذي يعد ضروريا في موقفه. وهذه الإمكانية تتضاءل بسرعة الجاذبية.
كما قلت في البداية، يشخصن الوجودي البعد الزمني إلى جانب البعد المكاني. فالزمان والمكان حسب القواعد العلمية، مثل مفهوم أرسطو للزمن باعتباره مقياسا للحركة أو مفهوم أينشتاين لمتصل الزمكان، هما فكرتان تجريديتان مستخلصتان من التجربة المعاشة للزمن والمكان الوجوديين. إذا لم يكن لدينا هذه التجربة الأصلية قبل القياسية المتعلقة باندفاع الزمان وتمدد المكان، فلن يكون لدينا شيء نستخلص منه هذه المفاهيم العلمية، ولن يكون لهذه الأفكار أي تأثير على حياتنا. لكن على الرغم من أن هايدجر يستخدم هذه التجارب ليكشف الأفق الزمني الذي تقع فيه الكينونة (الكينونة، لهايدجر، ليست خالدة)، يصر سارتر دون تردد على التشديد على مسئوليتنا عن الموقف الغامض بالضرورة الذي نعيشه. فأيا كان موقفنا، فسينطوي دوما على إمكانية تجاوزه. وكما قلنا، فإن شعار الفلسفة الإنسانية لدى سارتر هو أنك تستطيع دائما أن تصنع شيئا مما وجدت نفسك عليه؛ لأنك تتسامى دائما فوق واقعيتك. (2) الوعي المزدوج
صفحه نامشخص