وجودیت دینی: مطالعهای در فلسفه پل تیلیش
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
ژانرها
لكي تبني نفسها؛ فلا يني أبدا عن محاولاته لاستدراج العلمانيين إلى داخل الكنيسة، كي يكون العالم العلماني أفضل وأخصب - ثيونوميا.
4
ولكن يسلم بتقسيم الأراضي بين العلمانية والكنيسة؛ فيعترف للعلمانية بإنجازاتها العظيمة وإضافاتها الفذة في العلم والتقنية والمناهج والمذاهب الفلسفية، والفن والسياسة والفكر الاجتماعي ... إلخ، ولكنه بالمثل يطالب العلمانيين باحترام الرموز الدينية، وأن يعترفوا بقدرات اللاهوت الوجودية والنفسية الفائقة، التي تتمكن من تحقيق أبعاد حضارية أصبحت ملحة في عصرنا هذا، وبات واضحا استحالة تحقيقها بغير الالتجاء، لآفاق الأبدية ... آفاق الألوهية والإيمان الديني.
هكذا يفلسف تيليش للاهوت، وعيونه مفتوحة على الواقع المعاصر؛ على الإنسان والحضارة والبناء الثقافي بصميم المشاكل المميزة للقرن العشرين، مما أدى إلى راديكالية - تجديد جذري في مفاهيمه اللاهوتية والميتافيزيقية - فكان حقا معاصرا وليس كدأب اللاهوتيين مجرد مواصل لميراث السابقين.
والحق أن تحديث اللاهوت - وخصوصا مفهوم الألوهية - بلغ من تيليش مبلغا من الجرأة، قد لا تورثه إلا النزعة الوجودية، ولكنها على أية حال جرأة محسوبة وبعناية بالغة تذكرنا دائما بأنه قسيس محترف، ورجل دين ابن رجل دين، وليس يستمد الجرأة إلا من رغبة عارمة في أن يفجر الحياة في اللاهوت، ويفجر اللاهوت في الحياة؛ وإذا كان يبرر جرأته ويحسب حدودها على أسس وجودية، فإنها تبريرات وحسابات تلقي بنا في قلب مستقبل أفضل للاهوت بأن يغدو «لاهوتا حضاريا»، وبالتالي أقدر على البقاء؛ وللحضارة بأن تغدو حضارة لاهوتية، ثيونومية، وبالتالي أقدر على الاستمرار.
أما عن الأسس الوجودية لتحديث اللاهوت فتتلخص فيما وهبه الله للإنسان من قوة النسيان وقوة التذكر، إنهما ملكتا التعامل مع الماضي؛ النسيان من أجل تجاوز ما ينبغي تجاوزه؛ والتذكر من أجل الاحتفاظ بما ينبغي الاحتفاظ به. ولنتعلم من حكمة الله وبديع صنعه وننظر في نماء أي وكل نبات وحيوان، لنرى المراحل السابقة تنتهي ويتم تجاوزها، لكي تفسح الطريق للمستقبل الآتي؛ فالحياة ناضرة متجددة دوما من حيث هي حياة، ولكن طبعا ليس الماضي بأسره يروح في الماضي، بل يبقى منه دائما شيء ما في الحاضر يمثل أساس قوة النماء في اتجاه المستقبل، تلك سمة عامة للحياة تنطبق على الإنسان مثلما تنطبق على كل كائن حي آخر؛ لكن الإنسان فقط هو الذي يدرك هذا، ويدرك أنه يملك قوة النسيان وقوة التذكر،
5
وتعلو النبرة الوجودية، حتى نجد تيليش يعلي من قيمة النسيان الذي يحرر الإنسان من ماضيه فيجعله مشدودا أكثر نحو المستقبل والموقف الآتي، مصدقا على أن قوة شخصية الفرد تعتمد على كم الأشياء التي يستطيع إلقاءها في الماضي، بحيث تفقد تأثيرها على الحاضر؛ ما حدث قد حدث ولا يمكن تغيير هذا، لكن الدين يمنحنا القوة على تغيير معناه وقيمته حين يفتح أمامنا طريق التوبة الكفيل بإبراء أمراض يعجز الطب النفسي عن إبرائها؛ التوبة الحقيقية القوية ليست الوقوع في براثن الندم والجزع على ما ارتكبنا من أخطاء، بل هي الانفصال التام عن الخطأ، وإلقاؤه بمجمل عناصره في غياهب النسيان، والتوبة يوازيها أصل من أصول الدين هو «الغفران»، الذي يعني الموافقة الإلهية على إلقاء القديم في قلب الماضي؛ لأن ثمة جديدا آتيا؛ الغفران إذن مقدمة شرطية وضرورية لتحقيق الوجود الجديد، هدف الديانة المسيحية الأخير
6
وكل ما يصدق على الفرد يصدق على الأمة.
صفحه نامشخص