[كلمة معالي الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان في أحداث ١١ سبتمبر]
[حكم الإسلام في ذلك]
فتاوى في فقه الجهاد
والسياسة الشرعية
وجوب العدل
وتحريم الظلم
على الناس كافة كلمة معالي الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان عضو هيئة كبار العلماء ورئيس مجلس القضاء الأعلى -حفظه الله -
في أحداث ١١ سبتمبر
1 / 1
الحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي كل شيء بقضائه وقدره، في خضم هذه الأحداث التي طرأت وفي مجالات اضطرابات الرأي والفكر، وفى أمر ما حدث على الولايات المتحدة الأمريكية كثر السؤال والتساؤل عن حكم مثل هذه الأحداث في شريعة الإسلام.
لا شك أن شريعة الإسلام الشريعة الكاملة التي تستوعب كل حدث، وفيها حل كل مشكلة، وفيها بيان حكم كل نازلةّ، فما من نازلة تنزل على البشر إلا وفي شريعة الإسلام حكمها، وبيان أبعادها، ومن ذلك هذه الأحداث التي طرأت، ومما كثر السؤال عنه من خاصة وعامة ما حكم الشريعة في مثل هذه الأحداث؟ هل يجوز ذلك في شريعة الإسلام؟ وهل مثل هذا العمل يقره علماء الإسلام؟ يقال عن بيان حكم الإسلام في ذلك ما ينبغي أن يقال، لأن علماء الإسلام لا بد أن يتحدثوا عن الأحداث، يبينوا أحكام الشريعة الإسلامية فيما يطرأ من نوازل وما يلم بالمسلمين أو بغيرهم من
1 / 2
ملمات، ولا شك أن كل أمر فبقضاء الله وقدره، ومع ذلك فأحكام الشريعة تستوعب كل حدث، الله - جل وعلا- أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو الحكم العدل، حرَّم الظلم على نفسه، وجعله بينه وبين العباد محرما " وقد ثبت عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربه جل وعلا - أن قال- سبحانه -: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» إن من الظلم أن يعتدى على غير جانٍ، وأن يقتل غير مجرم، والنبي- عليه الصلاة والسلم- نبي الرحمة، نبي الشفقة، نبي الإحسان، المبعوث إلى البشرية بل إلى الثقلين الجن والإنس، أوضح المعالم، كان في الغزو والجهاد والقتال إذا جهز السرية أوصاهم ألا يقتلوا وليدا ولا امرأةً ولا هَرِما ولا متعبدا في صومعته أي: أن الإسلام لا يبيح قتل إلا من يقتل ويقاتل ويعتدي على المسلمين.
ولهذا فإن مثل الجرائم التي تقع ولا تفرق بين رضيع وامرأة، ومسن ومسنة، ومريض وصحيح، وتأتي على المال وأهل المال، إن هذه
1 / 3
الجرائم تعد من الجرائم العظام، والفواحش الخطيرة؛ لأن هذا ينظر إليه" في شريعة الإسلام بأنه من الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، وهذا أمر حرمه الإسلام، حرمه الله- ﷿ وحرمه رسوله ﷺ، والنبي لما رأى امرأة مقتولة في الغزو قال: «ما كانت هذه لتقتل» أي: أن قتلها أمر ممنوع منعا باتا.
[من يُحدث مثل هذه الجرائم يعد في النظر الإسلامي من أخطر الناس جرما]
إن من يُحدث مثل هذه الجرائم يعد في النظر الإسلامي من أخطر الناس جرما، وأسوأهم عملا، ومن يظن أن أحدا من علماء الإسلام العارفين بمقاصد شريعة الإسلام المطلعين على القرآن وسنة المصطفى ﷺ يظن أنه يجيز مثل هذه الأعمال فإنما يظن سوءا، فالظلم غير مقبول، والعدوان أمر محرم فظيع على من ليس مستحقا للعقاب، فكيف إذا وقع الجرم بالذي شوهد وتردد صداه، وأفزع النظر إليه من نظر؟ كيف يقال: أن أهل الإسلام يقرون مثل هذا العمل، إنه مهما ادعى من مسوغ لمثل هذه الحوادث فلا يصح أن تقبل، وأن تسوغ في ميزان الإسلام لأن الله- جل وعلا- يقول
1 / 4
في القرآن الكريم في خطابه للمسلمين: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] (المائدة: ٨) .
ولذلك العدل قامت به السماوات والأرض وإيقاع عقوبة جماعية لا تتفق بأي وجه من الوجوه مع ميزان العدل، ولا توضع في كفة الوزن، إلا أنها في كفة الظلم والعدوان الفاحش؟ لأن قتل فرد بريء لا ذنب له جرم عظيم فكيف إذا كان الجرم واقعا على فئات عظيمة، وأعداد كبيرة، ورضع وأطفال ونساء حبالى حتى ربما وضعت المرأة حملها من هول الفزع كأنما قامت قيام الساعة.
إن هذه المناظر المرعبة التي شوهدت من آثار ذلك الإجرام مناظر لا يقرها عقل مسلم، ولا يعتد بفعل من فعلها، ولو كان نابتا منبتا إسلاميا في بلد إسلامي، العبرة بما يقوله أهل العلم، والعبرة بما تقرر في أحكام الشريعة الإسلامية، وإن أمثال هذه الجرائم تعتبر من الجرائم الخطيرة.
والمملكة العربية السعودية عندما نظرت في يوم من الأيام أمر اختطاف الطائرات قبيل أن يختطف
1 / 5
للسعودية أي طائرة قرر علماؤها تحريم هذا العمل، ولم يفرقوا بين اختطاف طائرة ركابها مسلمون وبين طائرة ركابها غير مسلمين؟ بل رأوا أن الظلم أمر محرم وأن العدوان على الناس وإرهابهم بغير حق من أعظم الفواحش في الأرض والفساد فيها.
إذن فلا غرابة أن تعلن المملكة العربية السعودية استنكارها لمثل هذه الأمور، وعدم رضاها عما حدث، وعمن أحدث هذا الجُرم؛ إذن المملكة العربية السعودية مملكة إسلامية- ولله الحمد- وبحق يحكمها نظام إسلامي، وتحكم شريعة الإسلام أصول عملها، وأنظمتها مقيدة بأن لا تخالف الإسلام، فإذا استنكرت مثل هذا العمل فإنما تفعل ما تفعله من واقع دينها، ومن موقفها الإسلامي الذي تقف فيه؛ لأنها دولة الحرمين، وبلاد منبع الرسالة فلا غرو أن تستنكر الفواحش، وأن تستهجن إِجرام المجرمين، وأن تندد بإيواء كل مرتكب للإجرام، أو يرضى بجرمه.
[هذه الأعمال من أخبث الأعمال وأشدها ضررا على بني الإنسان]
إن الإنسان المسلم العارف بمقاصد الشرع، العالم بما تنطوي عليه الشريعة الإسلامية من الشفقة
1 / 6
والرحمة لعباد الله يرى أن هذه الأعمال من أخبث الأعمال وأشدها ضررا على بني الإنسان.
إن هذا العمل الفظيع عمل لا يقر، كما أن هذا العمل الفظيع لا يمكن أن يولد بغضاء أو حقدا وانتقاما على المسلمين الذين لم يرضوا ولم يقروا هذا العمل أو يحمدوه؛ لأن مقتضى العدل ونواميس العقل تستلزم ألا يؤخذ أحد بذنبه، وأن لا يحاسب إنسان أو جماعة على ذنوب غيرها؛ لأنه كما هو مقر في شريعة الإسلام، وكما هو قول نبي الهدى محمد ﷺ «لا يجن جان إلا على نفسه» ولأن القرآن يقول: أي: لا تتحمل وازرة وزر أخرى، ولا يحمل بريء ذنب مسيء، ولا يعاقب مسالم كاف الأذى بسبب إجرام مرتكب جريمة.
إنني أؤكد أن ملك هذا العمل غير مقبول في الإسلام، فالإسلام يمنع من قتل من لم يشارك في الحرب، ويمنع قتل الوليد أي: الأطفال الذين لم يكونوا مقاتلين، ويمنع قتل النساء، ويمنع قتل الشيوخ، ويمنع قتل من تفرغوا للعبادة من الرهبان
1 / 7
في صوامعهم فدين ينظر الرسول المبعوث به لهذه " الشعوب والأفراد والجماعات هذه النظرة لا يمكن أن يقر أتباع هذا الدين على مثل هذا العمل الفاحش إنه عمل خطير، وأنه عمل من النوازل النادرة التي لم تكن معروفة في الزمن القديم، وطرقها تحتاج إلى أن تعالج معالجة من جميع النواحي معالجة المجرم، ومن رضي بإجرامه وأقره عليه وأيده وأمده والنظر في الأخذ بالأسباب الواقية من تكرر مثل هذا الإجرام، والأسباب يعرفها العقلاء والباحثون عن الحلول وتوقي الأخطار، والأخذ بأسباب منع الحوادث لا يعوزهم الوصول إلى الحل السليم والوقاية التامة.
[الشريعة الإسلامية جاءت بالوقاية التي هي خير من العلاج]
ولا شك أن الشريعة الإسلامية جاءت بالوقاية التي هي خير من العلاج، ولا يختص هذا بمرض الأبدان، بل يعم مرض الأبدان والمجتمعات والشعوب، فالوقاية من الأخطار، والأخذ بالأسباب التي لا تعرض للأخطار أيضا من مقاصد الشريعة الكاملة، ومن متطلبات أهل سداد الرأي والفكر السليم والعقول الراجحة.
1 / 8
لا أحب أن أستمر في حديثي، ولكني أؤكد أن الأمة الإسلامية بقياداتها العلمية وقياداتها السياسية- وأذكر القيادة العلمية قبل السياسة- لأن الأمر أمر بيان حكم الشريعة لا يمكن أن تقر مثل هذه الأعمال.
كما أنني أعتقد أن المجتمع الأمريكي والمجتمع الغربي أجمع لا يمكن أن ينظر إلى مثل هذه الأحداث بأن من ينتسب إلى أي دولة وهو خارج عن إرادة دولته في تصرفه أن تؤاخذ دولته وتعادى لأجل عمل قام به من لم يستشرها ولم يعلمها ولم يخبرها لأنني لا أتوقع أن أحدا من مرتكبي هذه الجريمة الفاحشة الشنعاء يمكن أن يكون أَطْلَعَ أحدا من رجال دولته على أي قصد من هذه المقاصد.
ولذا فإنني أقول: على المسؤولين في كل مكان أن يحسنوا الظن بمن يواطنهم الآن ولا سيما وأن المواطنة في الولايات المتحدة وفي غيرها صارت لكثير من المسلمين ممن أصولهم من تلك البلاد وممن وفدوا إليها لا يفرق في أخوته بين جنس وجنس ولا لسان ولسان ولا لون ولون
1 / 9
في هذه العقيدة.
أسأل الله - جل وعلا - بأسمائه وصفاته أن يقينا في دنيانا كل سوء، وأن يهدي كل ضال إلى الصواب، وأن ينصر الحق وأهله، وان يخذل الباطل وأهله، وأن يجعل أعمالنا كلها في مرضاته ﷾ وأن يلطف بنا لأن من لم يلطف به الله فلا معين له.
وصلى الله على رسول الله ﷺ وجميع إخوانه من الأنبياء ورسله وجميع المتبعين للحق الصادقين في اتباعه. والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
صالح بن محمد اللحيدان
رئيس مجلس القضاء الأعلى
وعضو هيئة كبار العلماء
1 / 10