وعلى الرغم من غلطات القائد البولوني ميروسلافسكي الذي تولى قيادة القوات الوطنية في صقلية؛ اصطدم تقدم العدو بمقاومة عنيفة خلدت بطولة الدفاع عن كتانية، ولقي أهل نابولي صعوبات جمة في حركاتهم في الأراضي الجبلية التي تصلح لحرب العصابات ، ولو تمكن أهل صقلية من توحيد قوى المقاومة لاستطاعوا أن يطيلوا أمد الحرب إلى أن تضطر أوروبا إلى التدخل، وقد خاب الأمل في ذلك بسبب الاختلافات التي نجحت حول الحرس الوطني في العاصمة وفتور الحماسة.
وقد أدى فشل حركات القائد البولوني، وورود أخبار انكسار الجيش البيمونتي في نوفاره، وخشية استطالة أمد الحرب وكثرة النفقات؛ إلى خوف الأشراف والطبقة الوسطى، فقرر البرلمان الموافقة على طلب توسط الأميرال الإفرنسي الذي وعد بتنفيذ أحكام إنذار الملك وسرح البرلمان الجنود وأبعد أنصار الحرب في باليرمو من ساحة العمل، واضطر الزعماء إلى ترك الجزيرة ولكن الأسطول النابولي وصل إلى الميناء فدهش الناس؛ إذ إنهم كانوا يظنون بأن القضية تحسم من دون تدخل الأسطول والوقوع تحت رحمة آل بوربون، فهاجت الجماهير وأخذت تنادي بالانتقام من الخونة، وما كان من الحرس الوطني إلا أن اندفع مع التيار فاحتل المدينة وأخذ يدافع عنها ضد المهاجمين وأظهر بطولة خارقة أوقفت المهاجمين يومين، ولم يكن بالاستطاعة تمديد المقاومة أكثر من ذلك، فتسرب اليأس في القلوب وانقطع الرجاء في الفوز واضطر الشعب للخضوع واستسلم في 11 أيار.
الفصل الثامن عشر
الجمهورية المركزية
شباط-تموز 1849
كادت معركة نوفاره أن تفتح أبواب إيطالية الوسطى في وجه الجيش النمسوي، وقد ظل العلم المثلث الألوان - برغم ذلك - يرفرف فوق فلورنسة وروما، وأدت معارضة فرنسة إلى الحيلولة دون تقدم جيوش راديتسكي نحو تورينو، وكانت حاجزا دون استيلاء الجيش المنتصر على الروماني وطوسكانه، وبذلك ظل ثلث إيطالية قادرا على أن يدافع عن حريته.
وكان الرؤساء الثلاثة «مونتانلي، وجيرازي، ومازيني» في فلورنسة قد قبلوا الحكم الجمهوري إلا أنهم لم يعلنوا الجمهورية بصورة رسمية، وكان مازيني الرئيس الثالث يميل إلى عرض القضية بأجمعها على المجلس التأسيسي، أما جيرازي فأخذ يميل إلى المعتدلين ويحتج بأن ما صدر عنه من بيانات وأعمال تنم عن نزعة جمهورية؛ إنما اضطر إليها خلافا لرغبته، وكان يحمل على الجمهوريين المقلدين الذين وصفهم بأنهم «يغرسون أشجار الحرية ولكنهم لا يعرفون حمل السلاح.»
وكتب إلى جيوبرتي يقول بأن الحكومة لن تعلن الجمهورية إلا بعد أن يقترع عليها ممثلو الشعب، ولكنه في حديثه مع مازيني كان يتظاهر بأنه من أنصار الوحدة مع روما، وأنه لولا قلة الجند لأعلن الجمهورية، وكان يظن أنه يستطيع بالمدارة تمشية الأمور؛ إذ كان يعتقد عن حق بأن انسحابه يؤدي إلى الفوضى.
والواقع أن المعركة في سبيل الجمهورية لم تكن مضمونة الظفر؛ ذلك لأن الحزب الجمهوري كان قليل العدد وكان الجمهور في فلورنسة تحت تأثير دعاية اللاجئين اللمبارديين الذين يحاولون أن يجعلوا من الحركة صورة لطيفة مصغرة منسوخة عن الثورة الإفرنسية، وأما في الأندية فعدد الجمهوريين الأقحاح كان قليلا.
وقد ازداد الذين يصطادون في الماء العكر وأخذ الرجعيون ينشطون؛ أملا أن الشر يتفاقم، وكانت الجماهير تسير وراء كل حركة تبدو ثم لا تلبث أن تنضم إلى الناجحة من الحركات، ففي مثل هذا الجو المضطرب كان يستحيل على الحكومة أن تعمل، ما لم تكن قوية قادرة على أن تستغل حماسة الناس وتقودهم نحو أهداف نافعة، ولكن الرؤساء الثلاثة لم يكسبوا احترام الناس ولا عطفهم.
صفحه نامشخص