وانتهز «باريتو وريجي»؛ أي الأحرار وأهل جنوة، هذه الفرصة للقضاء على سيطرة تورينو وإدماج بيمونته في دولة إيطالية الكبرى، ولم يكن بالبو الرئيس الذي يستطيع أن يسير الوزارة في مثل هذا الجو، فانتقل الجدال من الوزارة إلى المجلس النيابي، وكانت أكثرية النواب من المعتدلين ومن الطبقة الوسطى والأشراف ذوي أخلاق قوية إلا أنهم ينقصهم الاختبار.
وأرادت الحكومة أن تتعهد بأنها لا تنقل العاصمة من تورينو ومعنى ذلك اللعب بالنار وإغاظة لمبارديه ورميها في أحضان الجمهورية الإفرنسية، واستطاع باريتو بمعونة «رتاري» أن يتغلب على المحافظين، فقبل المجلس شروط اللمبارديين بشرط أن لا تمس الملكية بسوء، وقبل قانون الوحدة بأكثرية ساحقة جدا.
ولكن تنفيذ كل هذه القضايا التي نظر فيها المجلس كان يتوقف على أمر واحد وهو التغلب على راديتسكي، ولم يكن الجيش البيمونتي في حالة يستطيع معها التغلب على عدوه من دون أن يكون له حلفاء؛ فقضية الإلحاق أغضبت فرنسة وسويسرة؛ لأنهما لا يريدان أن يريا على حدودهما؛ أي في شمال إيطالية دولة قوية فضلا عن أن ذلك زاد تعنت البابا ونابولي.
وبينما كان شارل ألبرت يجمع الآراء كان راديتسكي يجمع الرجال، فأمده نوجنت بأربعة عشر ألفا من الرجال، وعلى الرغم من مقاومة المتطوعة وبسالة القرويين؛ فإن نوجنت تقدم برجاله في ولايات فنيسيه واستولى على بعضها، وعبثا حاول أهل فنيسيه حث شارل ألبرت على إرسال المدد إليهم أو حمله على أن يأمر قوات روما التي أصبحت تحت قيادته بالتقدم. أما قائد هذه القوات فلم يحرك ساكنا.
وتقدمت متطوعة فراره مع القرويين برئاسة رهبانهم، واشتركت في القتال من دون أن ينجدهم أحد، ولما رأى تقدم النمسويين واقترابهم انسحب إلى فيرونه.
أما الجيش البيمونتي فبقي عاطلا أمام هذه الأحداث، وقد حدث في أثناء ذلك أن هجم الجيش النمسوي بخمسة وثلاثين ألفا على جيش طوسكانه البالغ خمسة آلاف ولكن الآخر استطاع أن يقاوم النمسويين ست ساعات في معركة عنيفة، أظهر الجنود فيها ضروبا من البسالة والجلد مما يدعو إلى الإعجاب.
ولما وصل النمسويون إلى فيرونه وكانت قوتهم تفوق حاميتها التي يقودها دوراندو ضعفين؛ ارتأى هذا القائد؛ حقنا للدماء أن يسلم نفسه وحاميته للنمسويين، وبذلك وقعت كل ولايات فنيسيه الساحلية بيد النمسويين، وتوسع الخرق بين اللمبارديين والبيمونتين، وأخذ أهل فنيسيه ولمبارديه يوصمون الملك بالخيانة ولا سيما حين شاعت أخبار المباحثات السرية التي كانت تجري بواسطة وسيط الحكومة البريطانية، وذلك أن بالمرستون قد بذل جهده لإبعاد شارل ألبرت عن الحرب، وكانت سياسته ترمي إلى عزل فرنسة من إيطالية وإيجاد صلح تصبح فيه إيطالية حرة.
ولما أصبحت فينا وبوهيمية ساحة للشغب من جديد؛ حتمت الضرورة على رجال الدولة في النمسة البت في قضية إيطالية، فأرسلت فينا مندوبا إلى لندن لتوسيط بالمرستون، وكانت اقتراحات المندوب تتضمن منح الحكم الذاتي التام إلى لمبارديه وفنيسيه ولكن بالمرستون لم يرض بهذا الحل.
ولما ثارت فينا مرة ثانية فإن النمسة عدلت اقتراحاتها وقالت بمنح لمبارديه استقلالها ومنح فنيسيه حكما دستوريا حرا، ولكن بالمرستون رفض هذه المقترحات أيضا طالبا أن تترك النمسة البلاد إلى نهر بيافة على الأقل، فلما رأت النمسة باب إنكلترة موصدا في وجهها فكرت في التباحث مع الميلانيين مباشرة؛ للاحتفاظ بفنيسيه، وكان جواب الميلانيين أنهم لا ينفصلون عن شقيقتهم، وكانت الوزارة البيمونتية - على ما يظهر - ما عدا بالبولا تميل إلى التساهل.
وبينما ظلت الحكومتان حكومة ميلانو وحكومة تورينو متمسكتين بعهودهما، فإن الملك كان يستعد في الخفاء لأن يضحي بفنيسيه رغم وعده بأنه لا يغمد سيفه إلا بعد أن يحرر إيطالية، وفي أوائل شهر حزيران كان على استعداد لأن يرضى بنهر أديج حدا، وبعد مضي أشهر رفع القناع واقترح على النمسة خفية عقد معاهدة تجزئة، وأخذت جريدة مازيني تهاجمه بعنف، بينما كان عملاء النمسة ينسفون الأرض بنشاط، أما جرائد ميلانو فكانت تصب اللعنات على الملك والجيش، وانقلب القسم الأعظم من الأشراف في بيمونته حين طال أمد الحرب، وتخلف الإكليروس بعد اطلاعه على رسالة البابا العامة.
صفحه نامشخص