وانتشرت الأخبار في جميع أنحاء لمبارديه وفنيسيه، وانحاز الجنود الطليان إلى المعسكر الوطني في مدينة «أودينو وبالمانوفه وترفيسه وفنيسيه»، وتحررت إيالة فنيسيه تماما ما عدا مدينتي «فيرونه ولجناجو».
أما في لمبارديه فهاجم أهل مونزه وبرغامة الحامية، وبعد قتال عنيف في الشوارع اضطروها إلى التسليم أو الانسحاب، وأخلت حامية بافيه المدينة، وانضمت حامية «بريجتونة» إلى معسكر الوطنيين بسلاحها وعتادها، وهب أهل الجبل في الشمال فاحتلوا المضائق حتى صار القسم الجنوبي من التيرول على أهبة العصيان، وأصبحت قوات النمسويين الساترة المشتتة في الوديان في حالة بؤس، وغدت القوات النمسوية في مانتويه وفيرونه وفي المدن الأخرى لا حول لها ولا طول.
وفيما وراء وادي بو استسلمت «كماكيتو» إلى متطوعي «رافيته»، أما حكومة البابا فرفضت الموافقة على مهاجمة «فراره»، وهكذا لم يبق بيد النمسويين سوى حصن «فراره» والقلاع الأربع في المدن الأربع، وكان للأيام الخمسة صدى رنان دوى في جميع أنحاء إيطالية.
وقد أخبرت بارمه بعد التغلب على الحامية دوقها أن يمنحها الدستور وأن يدخل في الاتفاق التجاري الإيطالي إلا أن ذلك لم يقنع الأهلين، فاضطر الأمير بعد بضعة أسابيع إلى ترك البلاد، وطردت مدينة «بياسنسة» اليسوعيين وأقامت حكومة أهلية، أما في مودينه فهرب الدوق مع الحامية النمسوية على إثر اقتراب متطوعة بولونيه.
أما في فلورنسة فأحرقت الجماهير شعار السفارة النمسوية، وذهب ثمانمائة متطوع إلى الحرب على النمسا، ولما رأت الحكومة أنها لا تستطيع المقاومة أعلنت الحرب، وأعلن الدوق بعبارات طنانة: «أن ساعة البعث الإيطالي قد دقت.» بينما اعتذر أمام النمسويين بأنه لم يفعل ذلك إلا حرصا على سلامة العرش، واجتازت متطوعة بولونيه نهر بو، دون أن تهتم لموافقة الحكومة على حركتها، وتوغلت في إيالة فنيسيه؛ حيث كان روكي الذي هرب من السجن يسعى لجمع جيش من المتطوعة ومن الهاربين من الجيش النمسوي.
أما في روما فذهب ألفان من المتطوعين إلى الحرب بعد وصول الأخبار بثلاثة أيام، وكان جميع الجيش فيها على أهبة الحركة وأخذت المدن في الإيالات ترسل متطوعيها حتى بلغ عددهم في دويلات البابا حسبما قيل اثني عشر ألفا، وأرسلت نابولي متطوعتها أيضا واستعدت الحكومة بعد أن رأت ضغط الناس عليها إلى إرسال ستة عشر ألفا من جيشها النظامي بقيادة ببه، وبعد مضي شهر أرسلت صقلية أيضا قوة صغيرة، وهكذا طغت الموجة الوطنية الزاخرة على إيطالية، وجرفت معها البابا والأمراء ورجال الإكليروس والأشراف والتلاميذ والعمال والطبقة الوسطى كلها والمدن والأرياف.
وانتابت الجماهير نوبة من الحماسة لإنقاذ لومبارديه وفنيسيه من الحكم الأجنبي، فمن الطلاب والعمال الذين تركوا أهلهم ودراستهم وذهبوا إلى ميادين القتال البعيدة لمحاربة العدو واحتمال المصائب، إلى الفتيان الذين تشردوا من المدرسة للاشتراك بالحرب، وأخذ الأحداث في المدارس المدنية يتدربون على أساليب الجندية، فلا القانون ولا الأشغال الرسمية كانت تستطيع أن تحول دون إقبال الشعب على السلاح، وأخذ الناس كلهم يلبون نداء الرهبان الوطنيين ويتبرعون بالمال لينفق في سبيل الحرب.
وقدم الأغنياء ذهبهم وحلاهم، وأعطى الفقراء أثمن شيء لديهم وأخذت الحماسة فتاة من مدينة بولونيه فقصت شعرها وقدمته، وكان الرهبان يباركون الأعلام، وحمل المتطوعون على أكتافهم الصليب وذهبوا للقتال في سبيل قضية مقدسة.
وما أسرع ما لبت تورينو نداء ميلانو؛ ففي اليوم الثاني من الأيام الخمسة امتلأت الطرقات المؤدية إلى الحدود بجماهير النافرين إلى الحرب، وكان كافور يخطب في حماسة بالغة في المجالس الخصوصية وفي العلانية صائحا: «إلى الحرب إلى الحرب، بلا تريث.»
وكان الشرف يقضي على بيمونته بأن تنضم فورا إلى جانب لومبارديه، وقد سنحت الفرصة لشارل ألبرت كي يرضي طموحه القديم، وينتقم من النمسة، ويغسل عار سنوات حداثته، وبرهن حقا على أنه «سيف إيطالية».
صفحه نامشخص