وكان البابا قد ضاق ذرعا بمعارضة البلاط له، ولكنه لا يتحلى بالجرأة الكافية لسحق هذه المعارضة، ولكن حركة شيشراكيو بث فيه بعض الشجاعة فأصدر أمره بعد التي واللتيا وبعد وعود ومماطلات قانون المطبوعات، وفيه يلغي الرقابة، وذلك في شهر آذار سنة 1837، وفي شهر نيسان وعد البابا بتأسيس مجلس الدولة، يعين من قبل مجالس الولايات، ويأخذ على عاتقه كثيرا من شئون التشريع والمالية.
وفي حزيران عين وزارة جديدة ومع أن أعضائها كانوا من رجال الدين فقد اعتبرها الناس خطوة للأمام، غير أن الوزارة أضاعت الفرصة وقضت على كل أمل بإمكان استعادة الثقة؛ ذلك لأنها خلطت الإصلاحات بأعمال الاضطهاد، وقد احتج «جيزي» رئيس الوزراء رسميا على الشعور العدائي الذي بدأ نحو النمسويين؛ إذ إن ذلك ينافي كون البابا أبا لجميع المسيحيين في أي بقعة من بقاع العالم.
وقد هوجم «فنتورا» لأنه في تأبينه للزعيم الأيرلندي «أوكونل» - وقد مات في جنوة في طريقه إلى روما - ندد بسياسة الخضوع التام، وطلب إلى الناس أن يجعلوا من كفاح هذا الزعيم قدوة لهم، وأمر الراهب «جافيزي» رسميا بأن لا يذكر اسم إيطالية في مواعظه الحماسية.
وحين تحرك المعتدلون بزعامة دآزجليو وبذلوا قليلا من الجهد صدر القرار بتأليف الحرس المدني، ولعل الوزارة بموافقتها هذه كانت تتوقع أن الطبقة المتوسطة إذا تسلحت تكون درعا يقيها حملة الأهلين من جهة والدسائس النمسوية أو السانفيديستية من جهة أخرى.
ولما أخذ رجال السانفيديست يهاجمون الأحرار في بعض المناطق ويدبرون الدسائس؛ نشط البابا في تأليف الحرس المدني، وأصدر أمرا بتسريح السنتوريون، وأوقف رجال السانفيديست المشبوهين فاضطر الكرادلة والرهبان إلى قبول الأمر الواقع وأخذ الأهلون يهرعون إلى التطوع في صفوف الحرس المدني، وحينما استقال «جيزي» عين البابا ابن عمه «فتريني» بدله وكان فتريني هذا جاسوسا للنمسة يعمل لحسابها، وأصبح مترنيخ ينظر إلى هذه الأمور بعين القلق واعتبر وجود بابا يميل إلى الأحرار من أعظم مصائب ذلك الدور، ولكن نفوذ النمسة عجز عن الوقوف في وجه الحركة الإيطالية.
وقد حاول مترنيخ عبثا أن يثير في البابا وفي دوق طوسكانه الكبير المخاوف من الحركة القومية ومن أنها تنتهي بالجمهورية، وقد سعى كثيرا لاستجلاب شارل ألبرت إلى جانبه بتحريك أطماعه، إلا أنه لم يوفق إلى ذلك فكلف حينئذ عملاءه بمهاجمة الملك، وحينما اطلع على الحماسة التي أثارتها في طوسكانه موافقة البابا على تأليف الحرس المدني؛ أرسل مذكرة إلى فلورنسة مهددا الحكومة فيها بالاحتلال فيما إذا هي قررت - بدورها - تأليف الحرس فيها وأرسل صورة من هذه المذكرة إلى بلاط تورينو.
ولولا تهديد فرنسة إياه لكان قد احتل الروماني وقد اضطره إلى التريث تهديد إنكلترا بإرسال أسطولها إلى تريسته وتهديد «جيزو» رئيس وزراء فرنسة بإنزاله القوات الإفرنسية في دويلات الكنيسة، ولكنه عاد فترك جانب الاحتياط وأراد القيام بحركة عسكرية نحو نهر بوتكون بمثابة تهديد لروما، إلا أن زملاءه في الوزارة لم يوافقوه على هذا الرأي فاكتفى بمظاهرة أخرى أقل أهمية من هذه، ففي اليوم الذي قامت فيه جماعة السانفيديست بإيعاز النمسة بمظاهرة ، قوى النمسويون حاميتهم في قلعة «فراره» بقوة عظيمة، ولما رفضت روما دخولهم أرض الروماني رفضا باتا أخذت دورياتهم تتجول في طرقات المدينة، الأمر الذي اعتبره الإيطاليون إهانة من قبل النمسة للبابا ودليلا على عزم النمسة على مناوأة الآمال القومية، فالمعتدلون أمثال دازجيلو وبالبو طالبوا باتخاذ تدابير حازمة، وأسرع الوطنيون أمثال «دي مونتفيدئو» وغاريبالدي الذي شاعت بطولته في العالم الجديد إلى تقديم خدماتهم للدفاع عن البابا، وأدى السخط العام والخوف من الاحتلال إلى انجراف الأمراء أيضا إلى التيار.
أما في بيمونته فقد حام الملك حول حزب الأحرار وأخذ ينشط السياسة الاقتصادية،
الوطنيين، فوافق على دخول كتبهم وجرائدهم إلى مملكته، وساعد أهل تورينو على الاكتتاب في سيف الشرف الذي أريد تقديمه إلى غاريبالدي أثناء عودته، واجتمع هو بالمتأمرين الميلانيين.
ولما ورد خبر احتلال فراره اضطر الوزير «ديلا مارجريتا» نفسه إلى أن ينحني أمام العاصفة وأصبح في غير مقدور الملك أن يصم أذنيه عن سماع نداء الأمة «التي رأت فيه سيفها المسلول» ولما ورد كتاب البابا أجابه بأنه في جميع الأمور لا يفرق بين قضيته وقضية بيوس، ولما اجتمعت الجمعية الزراعية في «كسالة» في رأس سنة العفو الذي كان أصدره البابا عن المبعدين أرسل الملك إليها كتابا مفتوحا قال فيه: «إذا شاء الباري تعالى أن تنشب الحرب في سبيل حرية إيطالية فسأضع نفسي على رأس جيشي لتحريرها.» فأجابه الأعضاء من أهل بيمونته وجنوة ولمبارديه وبارمه بولاء وحماسة، واعدين إياه بالمعونة، وطالبين منه تأليف حرس مدني، وبلغت الحماسة في بيمونته أشدها فاشتركت جميع الطبقات بالتبرعات للقضية القومية.
صفحه نامشخص