وكان من نتيجة ذلك أن أخذ الذين يتلهفون من صميم قلوبهم إلى رؤية إيطالية حرة ينضمون إلى صفوف المعتدلين أو الإلبرتيين، ويزيدون في عددهم، ومع ذلك فإنه لم يكن بينهم وقتئذ تماسك في الرأي، فمنهم من يريد أن يشترك البابا في الحركة، وآخرون أمثال: «جياكومو دوراندو ولويجي توريلي»، يودون أن يتخلى البابا عن سلطته الزمنية، ومنهم من ينشد الحرية الدستورية قبل الاستقلال، ومنهم من كان يغار من التوسع البيمونتي ويعارض إلحاق أي جزء وراء وادي بو إلى بيمونته ونابولي وطوسكانه على أن يكون الملك شارل ألبرت الحاكم المعنوي لإيطالية.
ومع ذلك فإن شارل ألبرت لم يحقق آمال أنصاره إلا قليلا، ففي السنوات الأولى من حكمه تبين أنه أضاع مثله الأول، ذلك المثل النبيل وأصبح في بعض الأحيان تحت نفوذ الحزب الإكليريكي، وكانت الشدة التي استعملها ضد الأشخاص قد وسعت الهوة بينه وبين الأحرار، وكان يرفض بأن يتساهل معهم أبدا، حتى إن حكومته ساعدت النمسة على إجبار سويسرة على طرد اللاجئين من بلادها.
وكان محتملا أن يكون شارل عند حسن الظن به لو لم يخش تقدم الجيش النمسوي نحو تورينو، فكان مثله الأعلى في الحكم المطلق المطلق، وكان يرى بأن حكومة شخصية قوية ضرورية للاحتفاظ على القومية البيمونتية فكان على حد تعبيره بين «مدية الكاربوناري وشكولاتة اليشوعيين المسمومة.» ويظهر أن الزمن والحوادث غيرت آراءه؛ إذ رأيناه في المدة الأخيرة يضع ثقته في الأحرار حينما رأى أن اليسوعيين يعارضون إصلاحاته، ولى رئاسة الوزراء «فيلا مارينا» وأخرج من الوزراء بالتدريج جميع العناصر الرجعية وشرعت حكومته تقوم بالإصلاحات الإدارية.
وكان شارل ألبرت يقول: «على الحكومة أن تضع نفسها على رأس كل حركة تقدمية.» ووضعت اللجنة الحقوقية القانون المدني المسمى باسم ألبرت نفسه، وأصبح هذا القانون أساسا للقانون المدني الإيطالي، وقد ألغى العرف الإقطاعي في جزيرة ساردينه، وكان مرعيا إلى ذلك الحين وله صفة اشتراعية، وأعاد فيلا مارينا تنظيم الجيش وجعل الخدمة فيه قصيرة وخفف رسوم الحماية الجمركية، وعاد الرخاء إلى مدينة جنوة حين أصبح بعضها ميناء حرا.
وعقدت مع الخارج عدة معاهدات تجارية، ومنحت الحكومة إعانات لترقية صناعة الحرير، وألغت النقابات ، وأصلحت دوائر البريد وأحدثت كراسي جديدة للتدريس في جامعة تورينو، واجتمع المؤتمر العلمي الثاني في تورينو سنة 1840، ورغم تدين الملك فإنه أظهر حياده في حماية المذاهب، فدافع عن امتيازات جماعة الجاليكان ضد هجمات روما، ولما قاوم الإكليروس فتح المدارس السلمانية وجمعيات الإسعاف؛ وقف منهم الملك موقف المناوئ.
وقد استخدم فضلة الواردات التي تراكمت بفضل السياسة المالية الرشيدة في مد السكك الحديدية في مملكته، وكان يكره مترنيخ كل الكره ولم يغفر له محاولاته لإبعاده عن العرش، وكلما ساءت نياته نحو النمسة تحتم أن يتقرب من شعبه، ولم يرتح أبدا إلى بقاء الأشراف طبقة منعزلة فسعى في إزالة الحواجز بينهم وبين الطبقة المتوسطة.
ووافق سنة 1842 على تأسيس جمعية زراعية قومية، فكانت جلساتها فرصة لاشتراك البيمونتية مع اللمبارديين في المذاكرات، الأمر الذي جعلهم يشعرون بأن عليهم واجبا يتعدى حدود البحث في الأمور الزراعية، وسمح لكتاب جيوبرتي «بريمانو» بالتداول وكلف الشاعر «براني» بكتابة نشيد للمسير يحتوي البيت الآتي:
كلنا جميعا من بلاد واحدة
يجري في عروقنا دم واحد.
وتوترت العلاقات بين النمسة وبيمونته في مطلع سنة 1843 بسبب النقاش حول تجارة الملح بموجب أحكام معاهدة قديمة، وكان الملح المستورد من لمبارديه لا يكفي لحاجة منطقة تسينا؛ فلذلك طلبت هذه المنطقة إلى بيمونته بأن تسد حاجتها الأمر الذي جعل النمسة تحتج على بيمونته، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن قابلت عمل النمسة بالمثل وبذلك فشلت مساعي النمسة في تقييد تجارة بيمونته.
صفحه نامشخص