وحدت ایتالیا

طه الهاشمی d. 1380 AH
178

وحدت ایتالیا

الوحدة الإيطالية

ژانرها

وبانضمام فنيسيه إلى المملكة الإيطالية أصبحت إيطالية في مصاف الدول العظمى، وإذا كانت من حيث المساحة السطحية الدولة الثامنة بين دول أوروبا فقد كانت من حيث النفوس الدولة الخامسة بينهم، فقد بلغ سكانها باستثناء السبعمائة ألف نسمة الخاضعين للبابا نحو خمسة وعشرين مليونا، وكانت كثافة النفوس فيها رغم جبال الإبنين والماريمة تقدر ب 221 نسمة لكل ميل مربع، وبذلك كادت تعادل النفوس في الجزر البريطانية وتفوق كثافة النفوس في فرنسة وألمانية.

وكان أبرز ظاهرة إحصائية فيها فقرها، فصحيح أن وارداتها زادت منذ سنة 1840، وبينما كانت تجارتها الخارجية تقدر ب 900 مليون ليرة

1

أصبحت الآن أكثر من مليار ونصف مليار ليرة، ومع ذلك فإن السوية العامة كانت فقيرة، ورغم أن مجموع الضرائب بلغ 635 مليونا من الليرات وكان نصيب المكلف من الضرائب الأميرية والمحلية أقل من 38 ليرا على الشخص الواحد فإنها كانت باهظة، ودلت الضرائب على الدخل على الذين يتجاوز دخلهم 250 ليرة 1313 شخصا فقط، مع أن سللا قد أحصى سنة 1868 الذين يزيد دخلهم على عشرة آلاف ليرة فبلغوا 3300 شخصا وشركة، ويمكن الاطلاع على ما بلغه مستوى المعيشة من الانخفاض في رواتب الموظفين، فكان سكرتير الدولة يتقاضى 20000 ليرة سنويا، أما أقصى ما كان يتقاضاه الحاكم فخمسة عشر ألفا سنويا ويتقاضى السكرتير الدائم في الدائرة ثمانية آلاف ليرة في السنة، أما متوسط دخل الراهب السنوي فأقل من 800 ليرة وراتب معلم المدرسة لم يكن يبلغ 400 ليرة في السنة.

على أنه كان علاج فقر البلاد لا يزال ممكنا وميسورا فتجارة البلاد إنما أرهقتها الحماية الحكومية والجمارك الداخلية، وفقدان السكك الحديدية والقوانين التجارية الصالحة، ثم إن مليوني هكتار من الأراضي الخصبة كان يمكن استغلالها بتجفيف المستنقعات فيها، ثم إن الزراعة في صقلية كانت لا تزال تستعمل وسائط القرون الوسطى، ومع ذلك فإنه مما لا يجوز إنكاره أن الحكومة القومية بذلت جهودا كبيرة في هذا المضمار منذ سنة 1859، فألغيت الجمارك المحلية وشملت الرسوم الجمركية البيمونتية وهي أكثر حرية من جميع الرسوم في شبه الجزيرة، ومع أنها قضت على بعض الصنائع الصغيرة المحمية فإنها نشطت التجارة بصورة عامة عظيمة، وامتدت السكك الحديدية في البلاد بسرعة وتضاعف طول السكك الحديدية التي كانت في حالة الإنشاء بين سنتي 1860 و1861، كما ضوعفت الخطوط البرقية من سنة 1861 إلى سنة 1867، وصرفت على الموانئ والري وتجفيف الأرض غير المزروعة مبالغ طائلة فأنفقت المدن الثمان الكبيرة منذ سنة 1860 نحو 150 مليونا من الليرات على الأشغال العامة وتقدم التعليم الفني، وكانت نتائج هذه الأعمال عظيمة واشتد النشاط التجاري حتى صعد رأس مال الشركات المساهمة من 1351000000 ليرة سنة 1860 إلى 2576000000 سنة 1864 وكان أكثر هذه الزيادة يخص السكك الحديدية.

وأما الحياة الصناعية فكانت لا تزال ضعيفة وكان ريكاسولي يشكو خضوع البلاد لفرنسة تجاريا؛ إذ كانت تضطر لشراء السفن الحربية والمكائن والعمل النقدية والكسوات الرسمية من الإفرنسيين، وليس في البلاد معامل ذات شأن سوى بعض مغازل الحرير وكانت معظم صادرات البلاد من المواد الابتدائية (الخام) أو المواد التي لا تحتاج إلى صناعة تامة كغزل الحرير وزيت الزيتون والفاكهة والحنطة والكبريت غير المصفى، على أن إيطالية كانت بلدا زراعيا قبل كل شيء، وكان خمسة ملايين ونصف مليون من الأهليين يسكنون المدن التي لا يتجاوز عد نفوس الواحدة منها 6000 نسمة، وكانت نابولي المدينة الوحيدة التي يتجاوز عدد نفوسها 250000 نسمة، وكان عدد المدن التي يتجاوز سكانها 100000 نسمة تسعا فقط، وكان عدد الذين يزاولون الزراعة وقتئذ ضعفي عدد الذين يزاولون الصناعة والتجارة، وكان جهل البلاد متناسبا مع فقرها، فقد قال المؤرخ فللاري بعد الحرب: إن القلاع الأربع الحقيقية التي وقفت في سبيلنا هي السبعة عشر مليونا من أبنائنا الأميين والخمسة ملايين من الهاوين، وكان الأميون سنة 1861 أكثر من ثلاثة أرباع السكان، وبلغت نسبة الأميين في نابولي وصقلية أكثر من تسعين في المائة من سكانها.

وفي بيمونته ولمبارديه قدر عدد الذين لم يكونوا يحسنون القراءة والكتابة بثلث الرجال ونصف النساء، وقد شنت المملكة الجديدة حربا شعواء على الجهل والفساد، وكان القانون الذي أصدره رتازي سنة 1859 قد نظم شئون التعليم في البلاد وفرض على الأقضية أن تمد موازنة التعليم الابتدائي بالمال، وجعل الدولة والمجالس المحلية معا مسئولة عن التعليم الثانوي والعالي كما أنه جعل التعليم في المدارس الابتدائية إجباريا، وكانت الحكومات السابقة تنفق على التعليم 8000000 ليرة سنويا، ولكن الدولة والمجالس المحلية أنفقت معا سنة 1868 خمسة أضعاف ذلك المبلغ، وبينما كانت مدينة تورينو تنفق 50000 ليرا على مدارسها أنفقت سنة 1859 280000 ثم تصاعدت هذه النفقات إلى 700000 بعد عشر سنوات، أما نابولي فكانت تنفق 50000 ليرا سنة 1861، ولكنها أنفقت بعد عشر سنوات؛ أي سنة 1871 820000.

ولما كان الفقر والجهل يحملان معهما ثمرتهما الطبيعية وهي الإجرام، فقد ظلت جمعية الكامورا في نابولي وجمعية المافيا في صقلية وعصابات السفاكين في الروماني ممعنة في الإجرام، ما دل على تعذر القضاء على هذه التقاليد الإجرامية المتأصلة في بعض المناطق دفعة واحدة، وكانت نسبة قضايا القتل التي تعرض على المحاكم للقضايا الأخرى أربع عشرة من المائة، وكان حق الانتخاب البيمونتي كما جاء في قانون الانتخابات البيمونتية الصادر سنة 1848 يشمل جميع السكان الذين يدفعون 40 ليرا من الضريبة المباشرة ما عدا الأميين، كما أنه كان يشمل التجار والصناع الذين يمتلكون أملاكا ذات قيمة معينة، وكان واحد من كل أربعة وأربعين من السكان يتمتع بحق الانتخاب.

أما في المناطق التي كان التعليم فيها منحطا كالمارك وأومبريه فنسبة الذين يحق لهم الانتخاب انحطت إلى واحد من خمسة وسبعين رجلا، وبلغ مجموع الناخبين الذين يشتركون فعلا في الانتخابات أقل من ذلك كثيرا، وقد جعلت تقاليد الإدارة والفقر والجهل ونفوذ الإكليروس أمر تربية الشعب تربية سياسية بطيئا شاقا، وكانت عقلية الشعب غالبا ما يلائمها الحكم المستبد أكثر مما يلائمها الحكم الدستوري، وأما واجبات المواطن كالانخراط بالمجلس القومي والخدمة في هيئة المحلفين والاقتراع نفسه فكانت تعتبر تكليفا أكثر منها أن تكون امتيازا، حتى كان أكثر ثلثي الناخبين يتخلفون عن الاشتراك في الانتخابات بصورة عامة، وكان المجلس النيابي ينتخب بأقل من 150000 مقترع، وكان معظم الناخبين المقترعين من الموظفين أو الذين يستوحون الحكومة، وكان الوزراء لا يترددون في استخدام نفوذهم والتأثير في المقترعين حتى إن ريكاسولي ذاته اعتبر سنة 1867 أن أول واجب من واجبات رئيس البلدية السعي في توجيه الانتخابات، وكان لانزا وهو من المعتصبين المتشددين يعتبر أن تخلي الحكومة عن استخدام نفوذها في الانتخاب ضرب من الحماقة بشرط أن لا تسيء استعمال هذا النفوذ، أما الناخبون فأظهروا أنهم لا يدركون الحاجات القومية إلا قليلا، وكان خلو الأحزاب من مناهج معينة يجعل من السهل النجاح أو الفشل في الانتخابات لاعتبارات محلية تافهة أو لمجرد رغبة الناخبين بالتغيير.

فكان طبيعيا أن لا تعلو سوية البرلمان على سوية الناخبين، وقد جعل النقص في تنظيم الأحزاب انتخاب المرشحين في قبضة زمر صغيرة محلية، ولما كان النواب - مع الأسف - لا يتقاضون أية مخصصات فقد كان إقناع البعض بترشيح نفسه أمرا صعبا، فأصبحت أغلبية النواب إما من الأغنياء الذين لا يعطفون على الجمهور، وإما من الفقراء الذين يتصيدون فرص الانتفاع من المناصب لقلة وارداتهم، وقد قال أحد الصحفيين الأحرار: «إن رجال السياسة من أسوأ عناصر المجتمع الإيطالي، وكان المجلس يغتبط بإسقاط جميع الوزارات المتعاقبة من دون أن يعبأ بالضرر الذي تسببه تبدلات الوزارة المستمرة، وكانت الأزمات الوزارية تهم المجلس أكثر مما يهمه التشريع الإنشائي، وكاد أن يكون الضبط الحزبي مفقودا، وكانت المصالح الشخصية والأطماع الذاتية والتفاخر التافه تقلل من نفوذ البرلمان وتحول دون سد جروح البلاد.

صفحه نامشخص