وحدت ایتالیا

طه الهاشمی d. 1380 AH
169

وحدت ایتالیا

الوحدة الإيطالية

ژانرها

وبما أن إنجلترة اغتاظت من المعاملة التي سلكتها بروسية والنمسة، فلقد رغبت في محالفة فرنسة؛ لتساعدها في مساعيها للمحافظة على الدانمارك، ولاح أن الحلف لم يكن حينئذ صعب المنال؛ لأن تحريكات الأحرار في فرنسة دفعت الإمبراطور إلى البحث على مشاريع يتمكن بها من تحويل الأنظار عن الشئون الداخلية، وذلك بالأخذ بسياسة خارجية متطرفة، وبما أن الاتفاق بين الدولتين الجرمانيتين كان يجعل التقدم نحو نهر الرين صعبا؛ ارتأى الإمبراطور أن يستعمل السيف لإجبار النمسة، ويظهر أنه توقع مساعدة إنجلترة في هذا الشأن. أما منجيني فبعد أن فقد كل أمل في الحصول على فنيسيه بواسطة الإمبراطور التفت إلى روما، وكانت السياسة الأولى في الوزارة إهمال قضية روما.

لقد اشتدت خصومة أوروبا الكاثوليكية بعد حادثة أسبرومونته وجرت محاولة ضعيفة من جديد للتفاهم على أساس مقترحات الكنيسة الحرة، ولما فشلت هذه المحاولة حدث بعض التطور في الحزب المعتدل رغم حادثة أسبرومونته، وكاد يرحب بالتخلي عن الإيطالية بروما، ويقول بتأجيل المطالبة إلى أجل غير مسمى أو بفكرة التعويض، وذلك بإعطاء ضمانات وقتية للممتلكات التي كانت لا تزال بيد البابا لقاء وحدة تجارية بينها وبين إيطالية، ووعد أهل روما بمنح حكومة صالحة إلى حين حدوث تطور في شعور الكاثوليك ينتهي بانهيار السلطة الزمنية من نفسها.

وكان الرأي العام يرى أن نجاح مثل هذه السياسة مستحيل؛ لأن السلطة الزمنية ستظل - إلى حين الاستيلاء على روما - تشجع الاضطرابات وحركات الارتجاع في الداخل وتسبب في الخارج اختلافات جديدة مع فرنسة دائما.

وكان الإمبراطور يرغب - كالسابق - في التخلص من روما، وبسبب احتمال وقوع الحرب على ضفاف الرين كان لا يجرؤ على إغضاب إيطالية، وقد أظهر نجاح الأحرار في الانتخابات في فرنسة ضرورة القيام بعمل للتفاهم معهم، فلما تولى «روهر» الوزارة الإفرنسية في نهاية سنة 1863 اشترط أن يخلي الإفرنسيون روما بلا تأخير، ولكن نابليون كان يخشى - كالسابق - أن يقطع الحبل مع الإكليريكيين الذين كانوا - رغم عدم رضائهم - لا يزالون يسندون الحكومة كما أن أكثرية الوزارة كانت الإكليريكية، أضف إلى هذا أن الإمبراطورة كانت خصمة مغرضة لإيطالية.

ولو أن الإمبراطور كان قوي الإرادة واستند إلى الأحرار وحذر من الإكليريكيين؛ لقوى مركزه في الداخل ولحسن سمعته المكسوفة في أوروبا بمحالفة إيطالية، ولكنه كان يزداد ترددا كلما اختلت صحته وتقدم في السن، ولم يجرؤ على أن يقف بجانب الحرية موقفا صريحا، ثم خضع لنفوذ الإكليريكيين، فدفعوه إلى الهاوية التي انتهت في معركة سدان.

إنه لم يخضع لهم بالكلية - بادئ بدء - كل الخضوع، فالتجأ حسب عادته إلى طريقة التفاهم، واقترح سحب قطاعاته بشرط أن تضمن إيطالية ممتلكات البابا الحالية ، وأن تكف - إلى حين - عن حقوقها بشأن روما، ولم يكن هذا الحل من حيث المبدأ يختلف عن آخر مشروع من مشاريع كافور؛ ففي صيف سنة 1864 بدأ الميثاق يأخذ شكله النهائي، واحتوت نصوصه التي نشرت في أيلول أن تضمن إيطالية الممتلكات البابوية ضد أي اعتداء من الخارج، وأن يتعهد الإفرنسيون مقابل ذلك بسحب قطعاتهم خلال سنتين، فالميثاق لا يختلف عن أسس كافور.

بيد أن نجاح المفاوضات يتوقف - قبل كل شيء - على تعريف ماهية الضمانة، أهي حقيقية أم ظاهرية، وهل لا تحنث إيطالية بالمعاهدة؟ وباقتراح نحس من بيبولي تقرر وضع ملحق - ربما كانت النية أن يبقى سرا - يجبر الحكومة الإيطالية على نقل العاصمة من تورينو إلى مدينة أخرى كنابولي أوفلورنسة؛ فإن نقل العاصمة من تورينو يقدم دليلا لدى أوروبا الكاثوليكية على أن إيطالية قد اختارت عاصمتها وتخلت عن حقوقها في روما.

وقد تفاهمت الحكومتان على أن القصد من الميثاق هو ذر الرماد في عيون الكاثوليك، وكانت النقطة الحيوية في الميثاق هي الإحجام عن الكلام، وأهمل فيه عمدا احتمال نشوب ثورة في روما. وأخيرا تم الاتفاق على أنه إذا جعل الرومانيون استمرار حكومة البابا مستحيلا، وإذا ظهرت حالات استثنائية بكل من فرنسة وإيطالية في حل من المعاهدة وحرة في تصرفها، ورضي الفريقان بإضافة العبارة الآتية: «إن الميثاق يضع السيادة البابوية في مصاف جميع السيادات الأخرى.» ومعنى ذلك أن بقاء السيادة يصبح منوطا برضاء الرعية عنها أو بعجزهم عن الثورة عليها، وهنا تجلت حقيقة قول كافور المأثور بأن الطليان سوف يذهبون إلى روما بالوسائط الأدبية، وإذا كانت مزاعم الطليان بأن أهل روما يرغبون في الاندماج في المملكة صحيحة إلى حدبعيد؛ فإن انشقاق الأحرار في روما وحق احتفاظ البابا بالجيش بموجب نصوص الميثاق كانا يحولان دون نشوب ثور فجائية من قبل الرومانيين، أو ثورة غير مهيأة ومؤيدة من الخارج، وإذا نشبت ثورة بغير هذا الشكل فمصيرها الفشل.

وقد فسر أحد المتقدمين الطليان «الوسائط الأدبية» بالاستيلاء على روما بالدعاية، مع أن روح الميثاق يحرم الدعاية كما يحرم استعمال القوة، فالقوة - والقوة وحدها - هي التي تعطي روما لإيطالية، وبينما كان الوزراء الإفرنسيون يزعمون بأن الميثاق قد جعل إيطالية هي المدافعة عن السلطة الزمنية كان رجال الدولة الإيطالية يحتجون بأن روما ظلت مطمح أنظار الطليان، وأن نقل العاصمة من تورينو إلى محل آخر ليس سوى مرحلة في المسير نحو الكابيتون.

وقد أثار حنق مازيني القول بأنه «إذا ترك الإفرنسيون روما فسننتهز الفرصة للإخلاف بوعدنا.» وإذا كان الميثاق مشروعا ينبغي للمجلس النيابي أن يلغي قراره السابق الذي حيا فيه روما باعتبارها عاصمة المملكة.

صفحه نامشخص