الفصل الرابع والثلاثون
اسبرومونتة
تشرين الأول 1861-كانون الأول 1862
ومن النقاط الأساسية في سياسة ريكاسولي أن سيكون المسير نحو فنيسيه من روما، وكان يود لو أمكن أن تقنع الدول النمسة بالاستيلاء على البوسنة والهرسك بدلا من فنيسيه، وكان يعلم أن إيطالية لم تكن مستعدة لقتال النمسة بلا مساعدة؛ فلذلك يقتضى تأخير القتال إلى وقت آخر وعلى إيطالية ألا تفكر في الحرب قبل أن تتحسن الشئون المالية وتنظيم الجيش وتقمع الشقاوة، وتصبح قضية روما في طريق الحل، كما أن تأجيل قضية فنيسيه قد يفيد من كسب معونة إنجلترة الأدبية الذي يمكن إيطالية من استغلال هذه المعونة تجاه النفوذ الإفرنسي، وربما يستطاع الحصول على موافقة بروسية على قيام الكيان الجديد.
وكان بالمرستون قد أوصى بسياسة التريث بيد أنه كانت هناك دواع قوية تدعو إلى حرب عاجلة؛ إذ إنه قد تملكت فيكتور عمانوئيل منذ مدة طويلة - لأسباب وطنية بلا شك - فكرة ترمي إلى أن يلعب هو الدور الأول في السياسة الإيطالية مستقلا عن وزرائه، وكان كافور إلى حد ما قد قبض على عنانه غير أنه أصبح في زمن ريكاسولي قلقا، وأخذ يعمل في الخفاء على إثارة الحرب ضد النمسة، فشجع الهنغاريين اللاجئين وفاوض الإمبراطور سرا؛ للحصول على معونة فرنسة، ولم يحاول إخفاء مقاصده عن وزيره الأول.
ولما رأى أن ريكاسولي معتزما مقاومة هذه الفكرة نشط في حياكة الدسائس ضد وزيره مستغلا حنق رتازي لصعود ريكاسولي منصب الحكم، وكان رتازي يميل إلى سياسة حذرة ويتحاشى من منهج متطرف، وكان يرى أن سكونا جديدا وسياسة اقتصادية أمران حيويان لتنظيم المالية وتأمين النظام في الإدارة.
أصبح الإمبراطور العضو الثالث في عصبة المؤامرة؛ إذ كان هذا أيضا كريكاسولي يحبذ حسم القضية الإيطالية في الشرق بإعطاء النمسة الإياليتين البلقاليتين مقابل تخليها عن فنيسيه، وكانت الشئون المالية في فرنسة قد جعلته يتجنب الحرب في تلك الساعة، كما أن علاقاته مع بروسية كانت توحي إليه بأن يراعي جانب النمسة.
وكان يرى من جهة أخرى أن حربا في فنيسيه قد تصرف أنظار إيطالية عن روما، ومهما يكن الأمر فإن الإمبراطور كان يحبذ ويشجع أي مؤامرة ضد ريكاسولي، ولعله كان يعتقد بأن النفوذ الإنجليزي في تورينو يفوق نفوذه ما دام ريكاسولي رئيسا للوزارة، فشجع «بنديتي» سفيره الجديد على الدسائس لإسقاط ريكاسولي كما أن رتازي ذهب إلى باريس بتحريض من الإمبراطور في شهر تشرين الأول، ولعله ألقي في روع رتازي أنه سوف تتقدم إيطالية حالا نحو روما وفنيسيه، كما وعده نفوذه للحصول على موافقة روسية وبروسية والوصول إلى نوع من التفاهم مع روما.
وبعد عودة رتازي ضاعفت عصبة المؤامرة نشاطها وبذل رتازي جهده لإسقاط ريكاسولي في البرلمان ليهيئ للملك فرصة يشكر له إياها، وكان يعلم أن مركز ريكاسولي من المتانة بحيث يتعذر عليه وحده إسقاطه، وقد استغل فيما مضى نفوذه غاريبالدي ثم تنحى هذا عنه، ولكنه أراد الآن أن يعيد الكرة.
وكان غاريبالدي يقضي حياة العزلة في كاربيره، وكان يميل هو أيضا إلى مهاجمة روما قبل فنيسيه، أما مازيني فكان يدرك استحالة الهجوم على روما ما دام الإفرنسيون فيها، وحيث إن هنغارية وبوهيمية على أهبة الثورة فإن الفرصة سانحة للاستيلاء على فنيسيه، وكان الدموقراطيون قد جن جنونهم لسياسة معاكسة وأقلقهم الانشقاق الذي وقع بين شبه الجمهوريين الذين أخذوا يطالبون بالسير بموجب منهج متطرف على أن يعملوا مستقلين عن الحركة، وبين الملكيين المخلصين الذين يوشكون أن يقطعوا صلاتهم بالبرلمان، وقد بذلت مساع لاندماج هاتين الفئتين في مؤتمر انعقد في جنوة في 15 كانون الأول انبثقت منه «جمعية التحرير»، وقد قبل غاريبالدي رئاسة الجمعية وتخلى في الظاهر عن نياته بشأن روما ووافق على أن تتجه الحركة نحو الهجوم على فنيسيه.
صفحه نامشخص