وقوله: ولا يزالون يعني المشركين، يقاتلونكم أيها المؤمنون، ﴿حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧] الإسلام، إلى الكفر إن استطاعوا، ثم ذكر حكم من يرجع عن الإسلام إلى الكفر فقال: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧] يعني: يبقى على الردة إلى أن يموت، ﴿فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧] أي: بطلت، يقال: حبط عمله، يحبط حبطا وحبوطا، وأحبطه الله إحباطا.
والمسلم إذا ارتد ومات على الردة حبط عمله الذي عمله في الإسلام، وبقي في النار خالدا، وهو قوله ﷿: ﴿وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢١٧] .
قال الزهري: ولما فرج الله على أهل تلك السرية بهذه الآية ما كانوا فيه من غم بقتالهم في الشهر الحرام، طمعوا فيما عند الله من ثوابه.
فقالوا: يا نبي الله، أنطمع أن تكون هذه الغزوة نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله؟ فأنزل الله تعالى فيهم قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢١٨] بمحمد والقرآن، ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا﴾ [البقرة: ٢١٨] فارقوا عشائرهم وأوطانهم، وجاهدوا المشركين، أي: حملوا أنفسهم على الجهد والمشقة في قتالهم، ﴿أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٨] أي أنهم بما فعلوا على رجاء رحمة الله، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] غفر لعبد الله بن جحش وأصحابه ما لم يعملوا ورحمهم.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩] قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [البقرة: ٢١٩] الآية، نزلت في جماعة من الصحابة، أتوا رسول الله ﷺ فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال.
فنزلت هذه الآية.
والخمر إنما سميت خمرا لأنها تخامر العقل، أي: تخالطه، يقال: خامره الداء، إذا خالطه.
قال كثير: