وقوله: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٤] قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: إن قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في مثله، قال الزجاج: معناه: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام.
﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قال ابن عباس: يريد: إن انتهكوا لكم حرمة فانتهكوا منهم مثل ذلك.
أعلم الله أن أمر هذه الحرمات قصاص لا يكون للمسلمين أن ينتهكوها على سبيل الاعتداء، ولكن على سبيل القصاص، كقوله: ﴿وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١] ويدل على هذا المعنى قوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] أي: ظلم فقاتل، ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] أي: جاوزه باعتدائه وقاتلوه، فسمى الثاني اعتداء لأنه مجازاة اعتداء، واتقوا الله بطاعته واجتناب معاصيه، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٩٤] بالعون والنصرة.
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] قوله: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٥] كل ما أمر الله به من الخير فهو في سبيل الله وأكثر ما يستعمل في الجهاد، لأنه السبيل الذي يقاتل فيه.
قوله: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] الباء في بأيديكم: زائدة، يقال لكل من أخذ في عمل: قد ألقى يديه إليه وفيه.
ومنه قول لبيد:
حتى إذا ألقت يدا في كافر
يعني: الشمس إذا بدأت في المغيب.
والتهلكة: الهلاك، يقال: هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة.
ومعنى الهلاك: الضياع، وهو مصير الشيء بحيث لا يدرى أين هو، والمعنى: ولا تقربوا مما يهلككم، لأن من ألقى يده إلى الشيء فقد قرب منه.
وهذا مبالغة في الزجر، وتأكيد في النهي، وكأنه المعنى: لا تقربوا من ترك الإنفاق في سبيل الله، أي: لا تمسكوا ولا تبخلوا، وهذا نهي عن ترك النفقة في الجهاد.