============================================================
شخصيته في شخصية المدرسة التي انتسب إليها كما هو شأن الغالبية العظمى من العلماء.
) - أنه لا يغتمد على عموميات مشهورة في إصدار أحكامه، وإنا يعتمد على المشاهدة الشخصية، ومن أجل هذا عني المحاسبي بدراسة أحوال مجتمعه بنفسه، كما يبدو ذلك واضحا من حديثه عن الغزاة والتجار والقراء والصوفية في كتابه هذا الذي نقدمه للقراء، إذ أنه لم يصدر حكما إلا بعد مشاهدة وسماع شخصيي، وهو سبق لم نعهده في الفقهاء ولا في علماء السلوك إلا نادرا من بعده 5 - أن ذاته الداخلية كانت من القوة والمتانة بحيث لم يحتج إلى أن يضفي على ظاهره ما يقوي شخصيته، فلم يحفل بالشهرة لا هو ولا مدرسته بين علماء بغداد ومدارسها، وذلك على الرغم من أن اجتماع تلاميذه به في حلقة درسه كان على صورة لم تعهدها مدارس العلم، إذ كان الوقت المختار له ولهم هو : ما بعد العشاء الآخرة حتى صلاة الفجر. وهذا عمل كان يمكن استغلاله في الدعاية والشهرة، ولكنه لم يفعل لغنساء ذاته الداخلية عن كل شيء إلا الايمان والحب والنصح وغيرها من مقومات الشخصية السوية المستقيمة 6 - لم يكن كغيره من العلماء يحاول الانتصار لنفسه بما يشبه الحق من البراهين الملتوية، لا سيما إذا ورد عليه النقد ممن هو أنزل منه علما أو قدرا.
قال الحارث: عملت كتابا في المعرفة، فأعجبني، فدخل علي شاب عليه ثياب رثة، وأنا أنظر في الكتاب مستحسنا إياه، فقال لي : يا أبا عبد الله المعرفة حق للخلق على الحق، أو حق للحق على الخلق؟ قلت: حق للخالق على الحق قال : هو أولى أن يبذلها لمستحقيها. قلت : بل حق للحق على الخلق قال : هو أعدل من أن يظلمهم. فأخذت الكتاب وخرقته، وقلت : لا أعود أتكلم في المعرفة أبدا.
فلو أن عالما من المحدثين حدث له ذلك لملأ الدنيا صراخا وعويلا لينتصر
صفحه ۲۳