كلمة
وردة اليازجي
1 - لمحة في حياتها
2 - ديوان حديقة الورد
3 - شعرها
4 - نثرها
كلمة أخرى
كلمة
وردة اليازجي
1 - لمحة في حياتها
صفحه نامشخص
2 - ديوان حديقة الورد
3 - شعرها
4 - نثرها
كلمة أخرى
وردة اليازجي
وردة اليازجي
تأليف
مي زيادة
كلمة
هذه الرسالة الوجيزة التي ستقرأ ألقيت محاضرة في جمعية الشابات المسيحية في منتصف شهر مايو سنة 1924م ونشرت تباعا في «المقتطف».
صفحه نامشخص
توفيت وردة اليازجي في مطلع تلك السنة بمدينة الإسكندرية. والأستاذ سليم سركيس صاحب الأسلوب اللبق الخاص في التمهيد لبعض الموضوعات والتنبيه إلى ما يحب من الأغراض، نشر يوما في مجلته خطابا منه إلى وردة اليازجي في السماء، وأخبرها في الختام أني عاكفة على درس آثارها على الطريقة التي درست بها «باحثة البادية» من قبل. فوقعت كلمته مني موقع الحض والاستحثاث. وأردت أن أقوم بالواجب نحو اليازجية، مع علمي بصعوبة الكتابة عنها؛ لتشابه المعاني التي تركتها في الشعر والنثر وخلو آثارها مما قد كان يرسم صورة من طبيعتها وميولها الصميمة.
وإذ تلقيت دعوة الجمعية لإلقاء محاضرة مع الحرية في اختيار الموضوع، كان خيال الست وردة يطوف في خاطري، وديوانها بين يدي أقلب صفحاته وأستخرج عصيره.
ولا يسعني هنا إلا أن ألمح ولو بإشارة طفيفة إلى تقديري لجهود العاملات من اللاتي سبقن جيلنا، ففتحن لنا الطريق. أقول: «فتحن الطريق» مع أنهن وضعن عند عتبة المجاهل علامة ليس غير. على أن لتلك العلامة قيمتها وفائدتها، لا سيما إذا ما ذكرنا الوقت الذي وضعت فيه. فبقي علينا نحن أن نستكشف طبيعة المرأة الشرقية لنسجلها في الوجود، ونسعى بعدئذ لإنمائها وصقلها فنبرزها كما هي في جوهرها تحفة وينبوعا وذخيرة.
إن خير ما تركته شاعرتنا أبيات النوح والرثاء. وهي لم تكن تدري أنها ستنشئ بعد وفاتها «قصيدة» من أنفع قصائدها. ألا وهي أن تباع هذه المحاضرة التي أوحاها اسمها في سبيل إعانة المنكوبين ببلادها.
ألا فلترفرف هذه الفكرة على مضجعها الأخير رفرفة رقيق النسمات وحبيب الذكريات! «مي»
وردة اليازجي
أيتها السيدات والأوانس!
أكاد أشعر بأني معبرة عن رأي كل منكن بتحبيذ هذه الاجتماعات النسوية والتنويه بالفائدة منها والنتيجة؛ لأن المرء كثيرا ما يتجرد من شخصيته الصميمة أمام من يختلف عنه بطبيعته وأحواله، وذلك ليهتم بأمور غريبة عنه وقد لا تروقه دائما.
وفي هذا التجرد من الشخصية لاستيعاب ما هو غريب عنا غيرية ممدوحة توسع النفس وتهيئها للإلمام بجزء أكبر من الحياة. ولكن من طبيعة الإنسان - فردا كان، أم مجموعا، أم جنسا - أن يرجع إلى نفسه حينا بعد حين. فيتعهدها بالسكوت والتأمل، أو يتحدث عنها بأسلوب من الأساليب، أو هو يصغي إلى المتحدثين عن نفوسهم أو عن نفوس الآخرين بما في وجدانه من الخوالج الواضحة أو المبهمة.
ولما كنا في مثل هذا الاجتماع عاكفات على شئوننا النسوية دون رقيب أو محاسب، تيسر لنفوسنا أن تصفو من الشوائب، فتستسلم لما يجوز أن نسميه «مغناطيس الخير».
صفحه نامشخص
وما هو إلا ذلك الفيض الذي يغمر كل جمهور التأم لغرض نبيل. فيدفق في كل قلب وينعش منه القوى، ويحمله على تقدير ممكناته وتقدير الحياة. فيعود القلب جذلا كأنه وجد نفسه فهزته عوامل العطف والصلاح والنشاط وحب السعي لغاية نافعة.
وإني لشاكرة لهذه الجمعية الكريمة دعوتها. ولكنت أشكرها الشكر ذاته لو هي دعتني أصغي إلى إحداكن بدلا من التحدث إليكن. فإن كل امرأة مخلصة يسمع الشرق صوتها في هذه الأيام إنما تترجم عن بعض ما يخامر جميع الشرقيات. ويزيد في سروري أن يضم هذا الاجتماع طائفتين من الطوائف التي تعلق عليها البلاد أعز آمالها؛ أعني طائفة المعلمات وطائفة المتعلمات.
تساءل يوما لورد بايرن الذي احتفل أخيرا بيوبيله المئوي: «ما هو الشعر؟» ثم أجاب: «هو الشعور بعالم مضى وعالم مقبل.»
وهذه الكلمة من خير ما يعرف به طور التربية والتعليم. أي إن المنحنى على النفوس الفتية يعالج إنماءها وصقلها لا بد له أن يسبر غور الماضي ليكون على بصيرة مما يمكنه أن يعد للمستقبل من الشخصيات الصالحة.
هي هذه الفكرة - وقد علمت أن هذا الاجتماع سيضم الناظرات والمعلمات والطالبات من مدارس الحكومة - التي ساقتني إلى الكلام عن وردة اليازجي ، وهي من أشهر النساء اللائي عرفهن تاريخ الآداب العربية ومن أذكاهن وأفضلهن.
الفصل الأول
لمحة في حياتها
يخيل إلي أن آلهة اليقظة والنشاط شاءت أن تتفقد الشرق حوالي منتصف القرن الماضي، فنشأت فئة من فضليات النساء على مقربة من الرجال الذين قدر لهم أن يكونوا عاملين في صرح الشرق الجديد. فولدت عائشة عصمت تيمور في مصر سنة 1840م، وولدت في تلك الأعوام بسوريا وردة الترك، ووردة كبا، ولبيبة صدقة وغيرهن. وولدت زينب فواز صاحبة «الرسائل الزينبية» و«الدر المنثور»، في صيدا سنة 1860م. وولدت في العام نفسه فاطمة علية ابنة المؤرخ التركي جودت باشا. وهي رغم كونها كتبت بالتركية فإن لها الحق أن تذكر بين أديبات العرب؛ لأنها عرفت لغتهن، وانتشر صيتها في أقطارهن، وعاشت طويلا في بلادهن التي جاءتها طفلة في عامها الثالث يوم تولى والدها ولاية حلب بعد أن كان وزيرا للمالية في الدولة العثمانية. ويوم أن ولدت زينب فواز وفاطمة علية، أي سنة 1860م، كانت وردة اليازجي في الثانية والعشرين من عمرها. لأنها ولدت سنة 1838م، هي ومريانا مراش الشاعرة الحلبية في عام واحد.
تذكرن، أيتها السيدات، أن ذوي المواهب البارزة ينقسمون إلى فريقين أولين، ينقسم كل منهما بعدئذ إلى أجزاء صغيرة شتى؛ وهما أولا: الفريق الذي يشذ عن محيطه ويسبق جيله بإدراكه وفطنته وابتكاره. وثانيا: الفريق الذي هو ابن محيطه وابن يومه، تتلخص عنده مدركات جماعته وعواطفها فيحدثهم عنها بلهجة بليغة قريبة المنال.
والفريق الأول يكثر مناهضوه في الغالب فيظل منفيا في قومه، غريبا في جماعته. إن هم أنالوه مرة ما لا يضنون به وبأكثر منه على من هو دونه، فإنهم يكفرون عن ذلك بتعذيبه بعدئذ ووضع العراقيل في سبيله ما استطاعوا. ولا ينفك الحسد والعجز يهاجمانه بالدسائس والوشايات والتحريف والانتقاص، غير مغتفرين له ما تفرد به. قلائل هم أبناء هذا الفريق. ولكنهم رسل الإلهام.
صفحه نامشخص
بل هم المستقبل الذي يحيا في الحاضر، ومنهم تنبثق الأفكار الكبيرة والآراء النيرة، وأياديهم هي التي تنثر أنفس البذور، وأصواتهم هي التي ترسل أجرأ الصيحات. فلا يثمر جهادهم إلا بعد وفاتهم؛ يوم يشب النشء الجديد متوقدا يقظا فيتلقف مبادئهم ويحققها شيئا فشيئا. وإني لأضرب لكن مثلا بواحد من هؤلاء؛ وهو قاسم أمين الذي اضطهد في سبيل دعوته إلى الإصلاح الاجتماعي. وتولى ربع قرن تقريبا، فإذا بآراء قاسم أحيا اليوم منها في حياته. لقد أنضجها الدهر على مهل. فتناولتها بمعانيها الأصلية القويمة فئة من صفوة رجال الأمة ونسائها.
أما الفريق الآخر فيتكلم بلغة أبناء جيله، ويعبر عن حاجتهم، ويشعر بما به يشعرون. فيكونون أقرب إلى فهمه وأبعد عن مناهضته؛ لأنه ثمرة هذا الوسط؛ نشأ على ما كان ينبغي أن ينشأ، وأظهر من شخصيته مثالا كريما وجاء بأحسن ما ينتظر منه. وكأن أهل هذا الفريق هم الذين يغذون الجمهور بما يناسبه لينمو، ويقودونه خطوة خطوة نحو مستقبل يصير عنده أهلا ليدرك ما يريده أهل الفريق الأول؛ جماعة الشاذين والخياليين والنظريين كما يسميهم «العمليون»!
من أهل الفريق الثاني كانت وردة اليازجي. نشأت في أسرة يقوم على رأسها ذلك الأستاذ الكبير والدها الشيخ ناصيف الذي كان في طليعة العاملين لإيقاظ الشرق الأدنى من غفوته. وقد اقتفى أثره في الفضل والده العالم اللغوي الشيخ إبراهيم، والأديب الشاعر الشيخ خليل اليازجيان، فكانت هي باستعدادها الأدبي وتوقد جنانها جديرة بأن تكون ابنة هذا الوسط بالمعرفة والاجتهاد كما هي ابنته بالدم والقربى.
ولدت في قرية كفر شيما من ساحل لبنان، وانتقلت مع عائلتها طفلة إلى بيروت؛ حيث تعلمت في مدارس الأمريكان الصغرى،
1
وتلقت على سيدة يهودية متنصرة مبادئ اللغة الفرنساوية. ثم عني بها والدها فدرسها أصول اللغة في كتبه وتوسم فيها استعدادا للشعر فمرنها عليه بأن كان يراسلها نظما عند تغيبه عن المدينة، ويعهد إليها في الرد على بعض مراسليه من الشعراء.
فقرضت الشعر في الثالثة عشرة من عمرها، وتعاطت التدريس مدة في إحدى المدارس الأهلية. وكانت في بيت والديها تساعد على الاعتناء بتربية أخواتها وإخوتها الاثني عشر وهي رابعتهم. وظلت بعد زواجها ابنة وسطها وابنة يومها؛ شرقية تلبس الطربوش، وتأتزر عند الخروج من البيت، وتشرب القهوة التركية على وقع نقير الماء المعطر في قلب الشيشة الفارسية، وتنتسب لأسرة أبيها على الطريقة العربية.
ولا علم لنا بتاريخ حياتها الفردية، وهل هي كانت بها سعيدة أم غير سعيدة. ولا أثر لتلك الحياة الخاصة في شعرها الذي لا يرسم إلا الخطوط الظاهرة، ولا يتكلم إلا عن الحوادث المألوفة من زواج وولادة وموت. وإذ أستجوب صورة لها من صنع شقيقها الشيخ إبراهيم وهي في سن الخمسين - أشعر بوضوح أنها كانت في طبيعتها أغنى منها في شعرها.
ففي هذه الصورة الجاذبة ذات العينين العميقتين معان وأغوار لم تبد في قصائدها. وأرى في الشفتين المطبقتين بلطف وإحكام مصداقا لما قيل لي إنها كانت عليه من قوة الإرادة والعزم والتروي والتبصر.
2
صفحه نامشخص
حتى إذا شاءت أن تتكلم كانت من فصاحة النطق وبراعة الحديث؛ بحيث يصمت شقيقها الشيخ إبراهيم تهيبا في حضرتها، فيكون لها الحديث ويكون له الإصغاء. قد يرى الأشرار في هذا مجالا جديدا للطعن في المرأة فيقولون إن الشاعرة كانت تتكلم بدافع حب جنسها للكلام، وأن أخاها كان يسكت لأنه رجل ... ولكن لا ننسين أن هذا رأي الأشرار، وأننا من الصالحين الذين يكتشفون الفضل في معدنه.
وكان زوجها من أهل العلم كذلك؛ فظلت تنظم بعد الزواج، واستخرجت من منظوماتها ديوان «حديقة الورد» الذي طبع أول مرة في بيروت سنة 1867م؛ أي بعد زواجها بعام واحد. وأعيد طبعه بعد عشرين سنة. ثم طبع مرة ثالثة سنة 1914م في مطبعة هندية بمصر. وكانت تضيف إلى كل طبعة جديدة خير ما نظمته في تلك الفترة، حتى استقرت الطبعة الثالثة على نحو مائة صفحة من القطع الكبير. وهي هذا الكتاب الذي ترين، أيتها السيدات.
وإني لأرجو السيدة نور الهدى
3
أن لا تعاقبني هذه المرة لأن كتابي ممزق. إني شديدة الحرص على كتبي عادة. وما أصبحت «حديقة الورد» على هذه الحالة المهشمة إلا لأني أكثرت من معالجتها وتعذيبها في هذا الأسبوع إرضاء لكن يا سيداتي. وأحرجني الوقت فلم يسمح لي بتجليد الكتاب.
وكانت الشاعرة قد انتقلت بعد وفاة زوجها سنة 1899م إلى الإسكندرية فصرفت فيها بقية حياتها مع ولدها الدكتور سليم شمعون، من خيرة أطباء الثغر. ولها ابنة تدعى لبيبة يظهر أنها نشرت بعض آرائها في الصحف، ولكني لم أطلع على شيء من تلك الكتابات. وتوفيت الشاعرة في أوائل هذه السنة وهي في مطلع عامها السابع والثمانين. فذوى بها الغصن الأخير من الدوحة اليازجية الأثيلة.
الفصل الثاني
ديوان حديقة الورد
يقول السيد جورج باز، نسيب الشاعرة، مناصر المرأة في سوريا، ومن أخلص مناصريها في العالم: إن «حديقة الورد» هو الديوان الوحيد الذي طبع ثلاث مرات لشاعر معاصر.
وعلى كل فهو الأثر الوحيد الباقي من آداب وردة اليازجي، ولا شك أنها اقتبست اسمه من اسمها. كما يلوح أن اسم الورد المتواتر في كتابات الشعراء كان يذكره بلذة أدباء عائلتها، ولو أنهم عنوا به رمزا غريبا، كأنه صار يخصهم أكثر من غيرهم لاتصال شاعرتهم به. ففي ديوان أخيها خليل المدعو «نسمات الأوراق» أبيات شجية عن الورد. هذا مثال منها:
صفحه نامشخص
ألا روحوا روحي برائحة الورد
فقد جاءنا فصل الربيع من البعد
ألا متعوني مرة من شميمه
فيذهب عني بعض ما بي من الوجد •••
ولله ورد ليس يبرح ناضرا
فلم يك مختصا بشهر له فرد
1
أتوق إليه مثلما اشتاق آيل
إلى ما به يروي ظماه من الورد
وأهفو لأنفاس النسيم إذا أتى
صفحه نامشخص
لنا من لدنه حاملا أرج الند
كذلك نتخيل أن ابن شقيقتها الشيخ نجيب الحداد متشبع من ذكرها عندما يترنم بذكر الورد في ديوان «تذكار الصبا» حيث يقول فيما يقول:
لشخصك من زهر الربى لقب الورد
وهيهات ما للورد حسنك في الود
تفوقينه ريحا ولونا ومنظرا
وبقيا على طول المودة والعهد
فللورد شهر واحد ثم ينقضي
ووردك باق لا يزول عن الخد •••
فسبحان من أنشاك شخصا وقد حوى
رياض جنان الخلد باسم من الورد
صفحه نامشخص
وقال شقيقها الشيخ إبراهيم في تقريظ ديوانها:
هذي حديقة ورد عز جانبها
وحبذا روض ورد يفرج الكربا
من طافها ير فيها الدر منتظما
والطيب منتشرا، والسكر مختلبا
كالورد نضده في روضه سحرا
در الندى، أو كراح كللت حببا
أو بحر خمر بماء الورد ممتزج
والجوهر الفرد فيه يملأ العببا
وهذه كما يظهر أبيات تقريظ للإرضاء لا للتعبير عن رأي في المجموعة.
صفحه نامشخص
ولقد دعيت الوردة ملكة الزهور منذ أقدم العصور، وتغنى بمدحها شعراء جميع الأمم؛ فزعم الإغريق في أساطيرهم أنها نشأت من قطرة من دم أدونيس حبيب الزهرة. أو من قطرة كوثر تناثرت من يد الآلهة يوم ولادة هذه الزهرة، ربة الجمال. وحسبها آخرون منورة من ابتسامة إله الحب، أو متساقطة من رأس إلهة الفجر عند تسريح شعرها في الضحى.
ومهما كثرت الرموز فالوردة ما زالت كما كانت دواما زهرة الأحزان كما هي زهرة الأفراح. ترمز إلى الشباب والجمال والحب، كما تستعمل في الزينة والأرواح العطرية والأدواء الطبية. وتتناسق منها الأكاليل؛ أكاليل الوداع، على قبور الأحباب ونعوش الراحلين، كما نراها جميعة ومفرقة في حفلات الأنس واللهو والطرب.
وذلك شأنها عند وردة اليازجي.
ففي حديقتها ورود باهتة في اللطف والمجاملة، وأخرى حمراء قانية في المودة والشوق، والقسم الطامي هو ورود قاتمة؛ ورود الفراق والحداد، ورود الرثاء والنحيب المبللة بدموع العين، المضمخة بزفرات القلوب.
الفصل الثالث
شعرها
(أ) ورود المجاملة الصافية
كل ما نظمته ينقسم إلى قسمين: المدح والرثاء.
ففي باب المدح يدخل شعر التقريظ والترحيب والتراسل مع أدباء العصر وأديباته. فهي تستهل حديقتها بأبيات ردت بها على الشاعرة وردة ابنة نقولا الترك الشاعر. والشطر الأول من المطلع سار في الآداب السورية مسير الأمثال وصار نعتا للسيدة وردة. وهو:
يا وردة الترك، إني وردة العرب
صفحه نامشخص
فبيننا قد وجدنا أقرب النسب
أعطاك والدك الفن الذي اشتهرت
ألطافه بين أهل العلم والأدب
وقالت تجيب شاعرة أخرى، وردة كبا (ويظهر أن الشعر في ذلك العصر كان محظوظا «بالوردات»):
أزهار ورد قطفناها بأبصار
ونشر ورد شممناه بأفكار
ووردة أثمرت في القلب إذ غرست
ولم أر وردة تأتي بأثمار
لقد سمت في الورى قدرا، فلا عجب
فالورد بين الورى سلطان أزهار
صفحه نامشخص
ولئلا تؤاخذ بامتداح نفسها عن طريق غيرها فقد استدركت في الختام بقولها:
بيني وبينك في أسمائنا نسب
لكنما بيننا فرق بأقدار
والورد من بعضه النسرين يشبهه
في العين، لكنه من طيبه عار
هذا أسلوب من التواضع في الشعر العربي، ونجده كما نجد معاني المدح ذاتها مكررة تقريبا في كل قصيدة وجهتها إلى مراسليها ومراسلي والدها من مصريين وعراقيين وسوريين. فقد ردت على عالم من أصدقاء والدها بقولها:
سلام فاح كالورد النصيبي
يساق لذلك الربع الخصيب
إلى من في الكمال له صفات
كمسك فاح منه كل طيب
صفحه نامشخص
قصائده كضوء الشمس تجري
ولكن لا تصادف من غروب
وتهدي إلى أمين بك سيد أحمد في الإسكندرية نسخة من ديوانها فتقول:
هذي حديقة ورد قد بعثت بها
إلى حديقة فضل في الورى عظما
سيرتها نحو غيث طاب مورده
مشفوعة بثناء أشبه النسما
يشدو بها كل بيت في مناقبه
حلا بوصفك نظم الشعر فابتمسا
وجوابا على رسالة أخرى من أديب مصري:
صفحه نامشخص
أهلا بخود إلينا أقبلت سحرا
تزهو كبدر الدجى تحت الظلام سرى
أرى عليها لآلي النظم زاهرة
من بحر علم يروق السمع والبصرا
جاءت من البحر فوق البحر زائرة
فليس نعجب أن أهدت لنا دررا
وقالت مرحبة بالأميرة تاج الشهابية وقد جاءت «رأس بيروت»:
ما لي أرى من بيروت مبتسما
والزهر ينبت فوق الروض أفواجا
وقلت ماذا اقتضى هذا السرور لها
صفحه نامشخص
قالوا رأت في أعالي رأسها تاجا
ورحلت تلك السيدة إلى مكان يقال له «الوادي»، فقالت الشاعرة:
تحية من مشوق زائد الغلل
تهدى إلى تاج مجد من ذوي الدول
لطيفة الذات يهديها النسيم إلى
واد له الشوق في الأحشاء كالجبل
إلى التي صار قلبي اليوم مسكنها
كأنها الشمس حلت منزل الحمل
وأصغين جيدا إلى هذا البيت:
يا من بها زهت الأيام قائلة
صفحه نامشخص
لا تحسبوا أن كل الفضل للرجل
وحيت البرنسس نازلي المصرية يوم زارت لبنان كما حيت الأميرة نايلة شقيقة السلطان عبد الحميد، ومما قالته في الترحيب بها:
يا ثغر بيروت البهيج، تبسم
وبحمد خالقك الكريم ترنم
اليوم زارتك المليكة فاكتست
شرفا ربوعك بالطراز المعلم
هي غصن دوحة آل عثمان الألى
شادوا فخارا ليس بالمتهدم
قوم لهم شرف الخلافة والعلا
بين الملوك من الزمان الأقدم
صفحه نامشخص
ومنها هذا البيت الذي أود أن أوجهه إلى كل فاضلة من أخواتنا المحجوبات:
خود بدت تحت اللثام، ومجدها
قد لاح بين الناس غير ملثم
وجوابا لعيسى أفندي إسكندر المعلوف المؤرخ والعضو في المجمع العلمي بدمشق:
أهلا بأكرم غادة
أهدى بها المولى الخطير •••
باتت تطارحني حد
يثا رق كالماء النمير
عذب يروق زلاله
وردا، ويشرب بالضمير
صفحه نامشخص
من كل قافية بدت
كالزهر في الروض المطير
ولطيف معنى كالنسيم
جرى بأنفاس العبير
خلعت علي من الثنا
ثوبا بمرسلها جدير
وقالت مقرظة تاريخ الصحافة العربية للفيكونت فيليب طرازي، وقال لي حضرته: إن هذه الأبيات آخر ما نظمت:
يا ذا الهمام الذي أحيت عنايته
تاريخ كتابنا من سالف الزمن
خلدت ذكر الصحافيين فيه كما
صفحه نامشخص
أوليتهم منة من أعظم المنن
فلترو فضلك منهم ألسن بقيت
وليشكرنك عظم في التراب فني
وقالت حينما انتخب دولتلو سليمان أفندي البستاني مبعوثا عن بيروت:
أخلق ببيروت دار العلم من قدم
أن تصطفيك على الأيام معوانا
فالله لما ارتأى إعلان حكمته
ما اختار من شعبه إلا سليمانا
ومن أهم هذه المجاملات ما راسلت به الشاعرة المصرية عائشة عصمت تيمور، التي أثنت عليها في مقدمة ديوانها «حلية الطراز» ثم أهدت إليها نسخة منه. فعقب ذلك مساجلة لطيفة في الشعر والنثر؛ حيث تبارت كل من الشاعرتين في مدح صاحبتها وتنضيد القول. وقد أثبتت هذه المراسلة زينب فواز في «الدر المنثور». أما في «حديقة الورد» فلا نجد إلا قصائد اليازجية إلى التيمورية. ومنها شكر على الهدية:
قد أعاد الزمان عائشة في
صفحه نامشخص
ها فعاشت آثار علم قديم
هام قلبي على السماع وأمسى
ذكرها لذتي وفيه نعيمي
وردا على رسالة:
يا نسمة من أرض وادي النيل
وردت فأطفت بالسلام غليلي
نفحت بلبنان ففاح أريجها
سحرا بأشهى من نسيم أصيل •••
عز اللقاء على المشوق وللمنى
عندي حديث ليس بالمملول
صفحه نامشخص