ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
ژانرها
كان لدي بعض المشاكل العملية الطابع. إذ كنت قد أتيت إلى القرية دون ترتيب مكان أمضي فيه ليلتي، وكنت قد خططت للإقامة في أحد فنادق نابلس، لكن بدا لي أن القواعد الأمنية يمكن أن توقفني. لم يكن لدي أي فكرة عن المكان الذي سأنام فيه، لكنني افترضت أنه يمكنني على الأقل الحصول على بعض الطعام من متجري القرية. لكن خلال أيام التحضير لعيد الفصح تلك، لا يؤكل الخبز العادي أو يباع في القرية. وكانت أفضل الأشياء التي استطعت العثور عليها لتناول وجبة بسيطة هي علبة زيتون وعلبة جبن. أثناء وقوفي في الصف لشرائهما، رأيت مجموعة مختارة من الأكواب والقمصان تتدلى من سقف المتجر، مكتوبا عليها
Good Samaritan (أي السامري الصالح). كان هذا هو أيضا اسم مركز الاستقبال بالقرية، الذي كان مغلقا.
شققت طريقي إلى أنقاض معبد السامريين، الذي كان في أعلى نقطة في القرية. أحاط سياج بالأطلال، التي لا يزال علماء الآثار ينقبون فيها، وقد حققوا بعض الاكتشافات الرائعة هناك. عرض صبي أن يريني المكان مقابل مبلغ مادي. تركني أمر عبر البوابة، التي كان معه مفتاحها، وأراني الأساسات الصخرية لما كان يوما ما مزارا مقدسا رائعا. كان علماء الآثار قد توصلوا إلى أن هذا المعبد السامري قد بني منذ خمسة وعشرين قرنا، داخل منطقة كبيرة مسيجة مساحتها 315 × 321 قدما. كان بإمكان آلاف الزوار الصلاة في المعبد في مدة زمنية ما. وقدم العديد من الحيوانات قرابين هناك لدرجة أنه عثر على أربعمائة ألف قطعة عظام في الموقع. ونصت النقوش على أنه «بيت الرب». وتوصل كبير علماء الآثار في الموقع إلى نتيجة مثيرة للجدل مفادها أن المعبد السامري بني قبل المعبد اليهودي الأول.
من حافة السياج نظرنا إلى نابلس في الوادي بالأسفل. كان بإمكاني رؤية كنيسة بئر يعقوب. كان ليعقوب اثنا عشر ابنا، وشكل كل واحد منهم سبطا: أسباط إسرائيل الاثني عشر. سألت الصبي عن السبط الذي كان ينتمي إليه. قال: «ميناشي.» كان ميناشي أحد قسمي سبط يوسف؛ لذلك كان يوسف، الذي كان قبره ظاهرا أسفلنا، هو الجد الأكبر لهذا الصبي. وقد يكون، بالطبع، جد العديد من الأشخاص الآخرين الذين ليسوا سامريين الآن. فلا بد أن العديد من السكان المسلمين في نابلس والقرى المحيطة بها من أصل سامري. ومن المعروف أن بعض العائلات لم تعتنق الإسلام إلا مؤخرا. وانتخب أحد أفراد واحدة من هذه العائلات، وهو عدلي يعيش، رئيسا لبلدية نابلس بفارق ستة وسبعين بالمائة، بوصفه مرشحا لحماس. وادعى بيني تسيداكا فيما بعد أن أكثر من تسعين بالمائة من الفلسطينيين ينحدرون من نسل السامريين واليهود. «إذا سألت شخصا متدينا من أي من الجانبين، سيقول إن هذا هراء. ولكنها الحقيقة!» (كان بيني نفسه مدركا للتاريخ الطويل الذي ربطه بالأرض التي يعيش عليها. وفي مناسبة لاحقة، كنت معه في بريطانيا عندما سأله رجل يهودي عن المدة التي عاشت فيها عائلة بيني في إسرائيل. ولم يسمع رد بيني جيدا وقال: «مائة وسبع وعشرون سنة؟ هذا وقت طويل!» قال بيني: «لا، مائة وسبعة وعشرون «جيلا».») •••
اتضح أن منزل بيني على بعد مسافة قصيرة سيرا على الأقدام من أنقاض الهيكل. وكان نوعا ما المتحدث الرسمي باسم السامريين؛ وكانت فيلته الصيفية المريحة تستخدم أيضا مقرا لصحيفة الطائفة. كان المنزل مغطى بحجر خشن باللون الأبيض المائل للصفرة يستخدمه غالبا الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء لتغطية الأسمنت الرمادي الذي يستخدمونه لبناء منازلهم وإضافة لمسة جمالية له. عاش بيني في الطابق العلوي الذي يطل على سفح التل. وبالإضافة إلي استقبل هنا عددا لا حصر له من الزوار - حاخاما، وزوجين مسيحيين إنجيليين، وطاقم تصوير فيلم - وأجاب عن جميع أسئلتنا. كانت أسئلتي تتعلق بمعتقدات السامريين. يرفض السامريون النصوص الدينية اليهودية مثل سفري دانيال وإشعياء؛ فعندهم، لا يوجد نظير لأسفار موسى الخمسة (أسفار العهد القديم الخمسة الأولى، التي تسمى أحيانا بالتوراة). والتوراة السامرية تختلف قليلا عن التوراة اليهودية. وكما ذكر سابقا، لا تتضمن النسخة التي تحويها من الوصايا العشر أي حظر على النطق باسم الرب باطلا، ولكنها تتضمن وصية لبناء مذبح على جبل جرزيم. يزعم بيني أن التوراة السامرية هي النسخة الأكثر مصداقية. ويرى أن قومه قد حافظوا على النص بشكل أفضل على مر القرون؛ لأنهم بقوا في مكان واحد، ونسخوا بدقة الكتابات المقدسة الثمينة من المخطوطات القديمة إلى المخطوطات الجديدة.
لكن الاختلاف الأكبر في الشعائر بين السامريين واليهود يأتي من رفض السامريين لجميع التقاليد اليهودية التي نشأت بعد كتابة التوراة. فعلى سبيل المثال، بما أن التوراة لا تطلب صراحة من الرجال تغطية رءوسهم طوال الوقت، فإن السامريين لا يرتدون «الكبة» عموما، كما يفعل اليهود الأرثوذكس، ولا ترتدي النساء السامريات الشعر المستعار أو الحجاب لتغطية شعورهن. ونظرا إلى أن التوراة تأمرهم بأن يقدموا الحملان قرابين في عيد الفصح وأن يضعوا دمها أعلى إطارات أبوابهم وعلى جوانبها، فهذا هو ما يفعلونه بالضبط؛ كما سأرى لاحقا. ولا يحتفلون بعيدي البوريم والحانوكا اليهوديين، اللذين ظهرا بعد تاريخ نزول التوراة.
وكذلك يرفضون أي إجراءات يهودية للتخلي عن قواعد التوراة أو تخفيفها. ويحافظون على التقاليد القديمة للكهنوت. وعندما كان الهيكل اليهودي قائما، كان يخدمه الكهنة، الذين كان يقودهم رئيس كهنة. ولا يزال يوجد في اليهودية دور لكهنة سبط لاوي بالوراثة، الكوهينيم؛ فهؤلاء، على سبيل المثال، يقدمون البركة الكهنوتية في الصلاة اليهودية الأرثوذكسية، ويحظر عليهم القانون اليهودي الزواج من النساء المطلقات أو اليهوديات اللاتي كن يعتنقن ديانات أخرى. ومع ذلك، فهم لا يقدمون القرابين، واستحوذ الحاخامات إلى حد كبير على دورهم القيادي في المجتمع اليهودي. لكن عند السامريين لا يزال دور الكهنة كما كان منذ ألفي عام. أخبرني بيني أنه يوجد ثمانية وعشرون رجلا سامريا من الكهنة، وهم رجال راشدون من عائلات تدعي انحدارها من نسل لاوي. وهم يشرفون على عمليات الختان، وقراءات التوراة، والخطبة، والزواج، والطلاق (أكد لي بيني أن الطلاق «نادر جدا، حيث يحدث خمس مرات في المائة عام»)، ويقودون الصلاة. كما أنهم يقدمون حيوانات قرابين مرة في السنة في عيد الفصح. ويلعب رئيس كهنة السامريين دور المحكمة العليا في الشئون الدينية.
الرجال السامريون، مثل الرجال اليهود الأرثوذكس، لا يلمسون زوجاتهم أثناء مدة الحيض. وتتضمن القواعد السامرية ما هو أكثر من ذلك إلى حد ما؛ فحتى الأشياء التي تلمسها المرأة الحائض تعتبر غير نظيفة؛ مما يعني أنه يجب عزلها تماما. أوضح بيني: «للمرأة أثناء مدة الحيض غرفة خاصة، حيث تقيم فيها مدة سبعة أيام. وبعد ولادة ذكر، تفصل مدة أربعين يوما، وبعد ولادة أنثى، تكون المدة ثمانين يوما. لا يسمح باللمس، لكن يسمح لها بالتحدث؛ وتجلس على طاولة أخرى.» وعلى حد زعمه: «لكن الفائدة الكبرى هي أن يقوم الزوج بواجباتها في المنزل! فالأسرة تساعدها. وهذا يقلل من الإجهاد الطبيعي.» وفي نهاية هذه المدة، تأخذ المرأة حماما شعائريا لتطهير نفسها.
يبدأ السبت السامري من غروب شمس يوم الجمعة حتى غروب شمس يوم السبت، تماما مثل السبت اليهودي؛ ولكن بتشدد أكبر. وهم لا يصلون في تشددهم إلى درجة تشدد الإسينيين، وهي طائفة يهودية متشددة فرض أتباعها على أنفسهم قاعدة (مؤلمة بالتأكيد) تقضي بأن لا يتغوطوا يوم سبتهم. لكن السامريين لا يستطيعون إشعال النار في يوم السبت، وفي زمان الشموع والفوانيس كان هذا يعني الجلوس في الظلام؛ وعلى عكس اليهود، لا يجوز لهم أن يطلبوا من أشخاص من خارج دينهم أن يضيئوا لهم الشموع. وكتبوا في رسالتهم إلى اسكاليجيه في القرن السادس عشر أنهم يعاشرون زوجاتهم يوم السبت. ولم يتركوا منازلهم إلا للصلاة. وحتى اليوم، لا يخرج السامريون من القرية يوم السبت، ولا يدخنون في ذلك اليوم أيضا. ولا يزالون يرتدون يوم السبت ملابس يعتقدون أنها تحاكي تلك التي كان يرتديها اليهود الذين شاركوا في الهجرة الجماعية التوراتية من مصر. أخبرني بيني أنه كان يرتدي هذه الملابس في أيام السبت حتى عندما كان طالبا في الجامعة العبرية.
وأخبرني بيني أن السامريين كان يتعين عليهم العيش في أرض إسرائيل، التي يفسرونها بأنها تشمل مصر. (في الواقع، كان السامريون يعيشون على الجزر اليونانية في القرن الثاني قبل الميلاد، ولكن جرى تشديد للقواعد منذ ذلك الحين.) يستطيع بيني السفر إلى الخارج، وهو ما يفعله لحضور المؤتمرات، ولكن لا يجوز له أكل اللحوم من خارج الطائفة؛ فاللحم ليس حلالا للسامري ما لم يذبح الحيوان على يد سامري بما يتفق تماما مع تعاليم سفر التثنية، التي تطالب بتقديم ساق الحيوان اليمنى الأمامية لكاهن. ومع ذلك، يمكن أن يأكل بيني طعاما نباتيا في مطعم حلال أو كوشير (أي طعاما معدا حسب تعاليم الشريعة اليهودية).
صفحه نامشخص