الوجيز فى الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
لسراج الدين أبي عبد اللَّه، الحسين بن يوسف بن أبي السري الدجيلي
٦٦٤ هـ - ٧٣٢ هـ
تقريظ
سماحة الشيخ العلامة/ عبد العزيز بن عبد اللَّه آل الشيخ
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
تقديم
فضيلة الدكتور/ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
إمام وخطيب المسجد الحرام
والمشرف العام على مكتبة إمام الدعوة العلمية
دراسة وتحقيق
مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي
بمكتبة إمام الدعوة العلمية
مكتبة الرشد
ناشرون
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
الوجيز فى الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
1 / 3
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
مكتبة الرشد ناشرون
* المملكة العربية السعودية - الرياض - طريق الحجاز
ص ب ١٧٥٢٢ الرياض ١١٤٩٤ هاتف ٤٥٩٣٤٥١ فاكس ٤٥٧٣٣٨١
Email: [email protected]
Website: www.rushd.com
1 / 4
تَقْرِيظٌ
مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ آلِ الشَّيْخِ
إِلى حَضْرَةِ الأَخِ الْمُكَرَّمِ فَضِيلَةِ الشَّيخِ/ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ السُّدَيْسِ. . .
الْمُشْرِفِ عَلَى مَكْتَبَةِ إِمَامِ الدَّعْوَةِ الْعِلْمِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، سَلَّمَهُ اللَّهُ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. . . وَبَعْدُ:
فَقَدِ اطلَعْتُ عَلَى كِتَابِ "الْوَجِيزِ" في الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، لِسِرَاجِ الدِّينِ أَبي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَينِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبي السَّرِيِّ الدُّجَيْلِيِّ. وَهُوَ بِتَحْقِيقِ الْمَكْتَبِ الْعِلْمِيِّ في مَكْتَبَةِ إِمَامِ الدَّعْوَةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَقَدْ سَرَّني كَثِيرًا هَذَا الْجُهْدُ الْعَظِيمُ الْذِي قَامَ بِهِ الإخْوَةُ في الْمَكْتَبِ الْعِلْمِيِّ مِنْ وَضْعِ مُقَدِّمَةٍ نَافِعَةٍ لِلْكِتَابِ، وَالْعِنَايَةِ بِالنَّصِّ الْمُحَقَّقِ عِنَايَةً فَائِقَةً؛ اتَّضَحَ لي مِنْ خِلالِ الْمُطَالَعَةِ أَنَّهُ قَدْ بُذِلَ فِيهَا جُهْدٌ كَبِيرٌ لإخْرَاجِ النَّصِّ، وَأَيْضًا ذُيِّلَتْ بِفَهَارِسَ عِلْمِيِّةٍ مُنَوَّعَةٍ؛ تُسَهِّلُ الْوُصُولَ إِلى الْمَعْلُومَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
وَهَذَا -بِلا شَكٍّ- خِدْمَةٌ جَلِيلَةٌ لِكِتَابٍ مِنْ أَهَمِّ الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ في مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَالذِي عَدَّهُ صَاحِبُ "الإنْصَافِ" في الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ في الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ عَنْهُ وَعَنْ شَرْحِهِ. وَقَدْ كُنَّا لِفَتْرَةٍ طَوِيْلَةٍ نَسْمَعُ عَنْهُ وَلَمْ
1 / 5
نَرَهُ. وَهَا أَنْتُمُ الآنَ -بِتَوفِيقٍ مِنَ اللَّهِ- قَدْ أَتْحَفْتُمْ طَلَبَةَ الْعِلْمِ بِهَذَا الْكِتَابِ النَّافِع، وَأَخْرَجْتُمُوهُ لَهُمْ بِحُلَّةٍ قَشِيبَةِ جَيِّدَةِ الْمَظْهَرِ وَالْمَخْبَرِ.
فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرَ الجَزَاءِ عَلَى سَعْيِكُمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ في مِيزَانِ حَسَنَاتِكُمْ، وَنَفَعَ اللَّهُ بِهَذَا الْكِتَابِ مُؤَلِّفَهُ وَقَارِئَهُ وَسَامِعَهُ وَمُحَقِّقَهُ، وَكُلَّ مَنْ بَذَلَ فِيهِ جُهْدًا؛ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،،،
الْمُفْتِي الْعَامُّ لِلْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّة السَّعُودِيَّةِ
وَرَئِيسُ هَيئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَإِدَارَةِ الْبُحُوثِ الْعِلْمِيَّةِ وَالإِفْتَاءِ
1 / 6
صورة من تقريظ سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
1 / 7
تقْدِيمٌ
الْحَمْدُ للَّهِ وَليِّ الْمُؤْمِنِينْ، حَثَّ عَلَى الْفِقْهِ في الدِّينْ، وَجَعَلَهُ سَبِيلَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينْ، الْقَائِلِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢]، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينْ، أَفْضَلِ النَّبِييِّنَ وَأَشْرَفِ الْمُرْسَلِينْ، وَسَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينْ، الْقَائِلِ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينْ"، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينْ، وَصَحَابَتِهِ الغُرِّ الْمَيَامِينْ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّينْ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ لِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ مَنْزِلَةً عُظْمَى وَمَكَانَةً كُبْرَى في هَذَا الدِّينِ، وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّهَا مَنْزِلَةً وَقَدْرًا، وَأَكْبَرِهَا مَكَانَةً وَأَثَرًا: عِلْمَ الْفِقْهِ؛ حَيثُ يُعَدُّ الْمَنْهَلَ الْعَذْبَ وَالنَّمِيرَ الصَّافيَ وَالْمَوْرِدَ الزُّلَالَ الذِي يَرْتَوِي مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَالْمُجْتَهِدُونَ؛ لِيُثْرُوْا مِنْهُ عُلُومَهُمْ وَمَعَارِفَهُمْ، وَلِيُقَدِّمُوا لِلأُمَّةِ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنَ القُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَالآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ؛ حِفْظًا لِكِيَانِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَإِبْقَاءً لِعَنَاصِرِ وُجُودِهَا وَمَكَامِنِ كِيَانِهَا، وَتَحْقِيقًا لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ في بِنَاءِ الأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَإِشَادَةِ الأَمْجَادِ وَالْحَضَارَاتِ، وَتَنْظِيمِ شَتَّى شُؤُونِ الْحَيَاةِ عَلَى أَسْمَى الأَهْدَافِ وَالْغَايَاتِ، وَأَقْوَى الوَشَائِجِ وَالعَلَاقَاتِ.
1 / 8
وَقَدْ كَانَ الْفِقْهُ الإِسْلَامِيُ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ وَكَرِّ الدُّهُورِ، مَصْدَرَ فَخَارِ الأُمَّةِ، وَمَوْضِعَ اعْتِزَازِهَا، وَمَحَلَّ اهْتِمَامِهَا، وَمَبْعَثَ نَمَائِهَا وَعَطَائِهَا؛ حَيثُ وَفَّى بِاحْتِيَاجَاتِهَا، وَسَايَرَ مُسْتَجَدَّاتِهَا، وَلَمْ يَقِفْ عَاجِزًا أَمَامَ مُتَغَيِّرَاتِهَا وَتَحَدِّيَاتِهَا؛ فَلَهُ القِدْحُ الْمُعَلَّى في رَفْعِ هَامَةِ الأُمَّةِ سَامِقَةً أَمَامَ الأُمَمِ وَالْحَضَارَاتِ، وَاجْتِيَازِهَا بُحُورَ الفِتَنِ وَأَمْوَاجَ الْمِحَنِ إِلى بِرِّ الأَمَانِ وَشَاطِئِ النَّجَاةِ.
وَقَدْ مَرَّ هَذَا الْفُقْهُ عَبْرَ القُرُونِ بِأَطْوَارٍ وَمَرَاحِلَ، وَتَعَدَّدَتِ فِيهِ الاتِّجَاهَاتُ وَالْمَذَاهِبُ؛ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَشْهَرِهَا وَأَنْضَجهَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ ﵏ فَقَدْ هَيَّأَ اللَّهُ لَهُ رِجَالًا أَوْفِيَاءَ، وَعُلَمَاءً أَكْفِيَاءَ، وَأَصْحَابًا أَصْفِيَاءَ، وَتَمَيَّزَ بِمُمَيِّزَاتٍ فَرِيدَةٍ، وَاخْتَصَ بِخَصَائِصَ عَدِيدَةٍ، قَلَّ أَنْ تَجْتَمِعَ في غَيرِهِ، يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ سَبَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ الْمُبَجَّلَ، وَاكْتَحَلَتْ بِهِ عَيْنَاهُ، وَارْتَسَمَ عَلَى مُحَيَّاهُ مَا ازْدَانَ بِهِ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ أَقْوَالٍ وَرِوَايَاتِ، وَأَوْجُهٍ وَتَخْرِيجَاتٍ، وَمَا زَخَرَ بِهِ مِنْ كُنُوزٍ وَمُصَنَّفَاتٍ.
وَاللَّبِيبُ الْمُسْتَقْرِئُ لِمُؤَلَّفَاتِ هَذَا الْمَذْهَبِ مُتُونٍ وُشُرُوحٍ وَحَواشٍ، يَسْتَوقِفُهُ كِتَابٌ جَلِيلٌ قَدْرُهْ، وَسِفْرٌ قَدْ فَاحَ بَينَ الْحَنَابِلَةِ عِطْرُهْ، وَشَاعَ بَينَهُمْ أَمْرُهْ، وَعَلَا فِيهِمْ ذِكْرُهْ فَهُوَ البُسْتَانُ الْجَامِعْ، وَالرَّوضُ الْمَاتِعْ، وَالْحَدِيقَةُ الغَنَّاءْ، وَالدَّوحَةُ الفَيحَاءْ، هَذَا إِلى مَا يَضُمُّ بَينَ ثَنَايَاهُ مِنْ صَحِيحِ النُّقُولِ وَالرِّوَايَاتِ، في أَبْوَابِ العِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَغَيرِهَا مِنْ:
1 / 9
لَطَائِفٍ يَجْتَلِيهَا كُلُّ ذِي بَصَرِ ... وَرَوْضَةٍ يَجْتَنِيهَا كُلُّ ذِي أَدَبِ
وَلَعَلَّكَ أَخِي القَارِئَ بعدَ هَذِهِ النُّعُوتِ، تَشتَاقُ إِلى مَعْرِفَةِ هَذَا الْكِتَابِ؛ إِنَّهُ "الْوَجِيزُ في الفِقْهِ" لِمُؤَلِّفِهِ: سِرَاجِ الدِّينِ أَبي عَبدِ اللَّهِ الْحُسَينِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبي السَّرِيِّ الدُّجَيلِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ (٧٣٢ هـ). وَهُوَ أَحَدُ الْمُتُونِ الْمُهِمَّةِ في مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ؛ فَقَدِ اعْتَمَدَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ مُمَيِّزَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ أَهَمُّهَا:
أَنَّ مُؤَلِّفَهُ ﵀ بَنَاهُ عَلَى الرَّاجِحِ في الْمَذْهَبِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ عَنِ الإِمَامِ ﵀ مَعَ جَزَالَةِ لفْظِهِ وَحُسْنِ سَبْكِهِ وَسُهُولَةِ عَبَارَتِهِ، وَتَجْرِيدِهِ عَنِ الأَدِلَّةِ وَالتَّعْلِيلَاتِ وَالْخِلَافَاتِ؛ تَيْسِيرًا لِحِفْظِهِ وَلِهَذَا كَانَ مَحَلَّ ثَنَاءِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ؛ فَهَذَا شَيخُ الْمُؤَلِّفِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ الزَّرِيرَانيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ (٧٢٩ هـ) يَقُولُ عَنْهُ: "أَلْفَيْتُهُ كِتَابًا وَجِيزًا كَمَا وَسَمَهُ، جَامِعًا لِمَسَائِلَ كَثيرةٍ، وَفَوَائِدَ غَزِيرَةِ، قَلَّ أَنْ يَجْتَمعَ مِثْلُهَا في أَمْثَالِهِ، أَوْ يَتَهَيَّأَ لِمُصَنِّفٍ أَنْ يَنْسِجَ عَلَى مِنْوَالِهِ".
وَهَذَا الإِمَامُ الْمَرْدَاوِيُّ يَقُولُ في مَعْرِضِ ثنَائِهِ عَلَى الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ في الْمَذْهَبِ: "وَكَذَلِكَ "الوَجِيزُ" فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَهُ عَلَى شَيْخِهِ: أَبي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ الزَّرِيرَانيِّ فَهَذَّبَهُ لَهُ". "الإنصاف" (١/ ١٦).
وَلأهَمِّيَةِ هَذَا الْمَتْنِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ حَظِيَ لَدَى عُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ بِالْعِنَايَةِ وَالاهْتِمَامِ عَنْ طَرِيقِ الشُّرُوحِ؛ فَلَهُ قُرَابَةُ عَشَرَةِ شُرُوحٍ، مِنْهَا مَا هُوَ كَامِلٌ
1 / 10
وَمِنْهَا مَا هُوَ نَاقِصٌ، وَمِنْهَا مَا طُبعَ كَامِلًا، وَمِنْهَا مَا حُقِّقَ رَسَائِلَ عِلْمِيَّةً، وَمِنْهَا مَا طُبعَ أَجْزَاءٌ مِنْهُ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُطْبَعْ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ الْحَوَاشِي؛ وَأَشْهَرُهَا لِثَلَاثَةٍ مِنَ عُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ، إِضَافَةً إِلى النَّظْمِ؛ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: "نَظْمُ الْوَجِيزِ في سَبْعَةِ آلافِ بَيْتٍ".
وَ"الْوَجِيزُ" عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَشْهَرُ مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمٍ، بَلْ إِذَا أُطْلِقَ عِنْدَهُمْ انْصَرَفَ إِلَيْهِ لَا غَيرُ؛ وَقَدْ نَوَّهَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ بَدْرَانَ في "الْمَدْخَل" (١)، وَكَذَا مَنْ ألَّفَ بَعْدَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُهْتَمِّينَ بِفِقْهِ الْحَنَابِلَةِ (٢).
وَمِنْ أَجْلِ هَذَا كُلِّهِ؛ وَلِمَا لِهَذَا الْكِتَابِ مِنْ قِيمَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَمَكَانَةٍ فِقْهِيَّةٍ، فَقَدْ رَأَتْ "مَكْتَبَةُ إِمَامِ الدَّعْوَةِ العِلْمِيَّةُ" أَنْ تُبَادِرَ إِلى طَبْعِهِ وَنَشْرِهِ، وَإِدْنَاءِ قُطُوفِهِ لِطُلاَّبِ العِلْمِ عَامَّةً وَالْمَعْنِيِّينَ بِفِقْهِ الْحَنَابِلَةِ خَاصَّةً، وَإِخَرَاجِهِ مُحَقَّقًا بِثَوبٍ قَشِيبٍ وَحُلَّةِ زَاهِيَةٍ؛ كَيفَ لَا؟ وَقَدْ أَخَذَتْ عَلَى عَاتِقِهَا وَجَعَلَتْ في أَوْلَوِيَّاتِ أَهْدَافِهَا: خِدْمَةَ تُرَاثِنَا العِلْمِيِّ، في الوَقْتِ الْذِي تتَعَرَّضُ فِيهِ الأُمَّةُ لِحَمَلَاتٍ مِنَ التَّشْكِيكِ في مَوْرُوثِهَا الفِقْهِيِّ خَاصَّةً، وَالإسْلَامِيِّ عَامَّةً؛ لِقَطْعِ صِلَةِ الأَجْيَالِ الْجَدِيدَةِ بِمَاضِي أُمَّتِهِمُ الْعَرِيقِ وَحَضَارَتهَا الزَّاهِيَّةِ في شَتَّى الْمَجَالَاتِ.
وَيَحِقُّ لِـ "مَكْتَبَةِ إِمَامِ الدَّعْوَةِ العِلْمِيَّةِ" أَنْ تُفَاخِرَ بِالْمُبَادَرَةِ لإِخْرَاجِ
_________
(١) انظر: (٢٠٦).
(٢) كالدكتور/ عبد اللَّه التركي في كتابه "المذهب الحنبلي" والدكتور/ بكر أبو زيد في "المدخل المفصَّل" وآخرين.
1 / 11
هَذَا الْكِتَابِ وَطَبْعِهِ لِلْمَرَّةِ الأُوْلَى؛ وَهُوَ وِسَامُ عِزٍّ وَتَاجُ شَرَفٍ؛ تُحَقِّقُهُ لِتَقَرَّ بهِ أَعْيُنُ البَاحِثينَ، وَتَنْشَرِحَ بِهِ صُدُورُ الْمُهْتَمِّينَ بِالتُّرَاثِ وَالمَعْنِيِّينَ بِهِ مِنْ أَمَاثِلِ طَلَبَةِ العِلْمِ. وَقَدْ سَارَ مَرْكَزُ البَحْثِ العِلْمِيِّ وَإِحْيَاءِ التُّرَاثِ الإِسْلَامِيِّ بِالْمَكْتَبَةِ، في إِخْرَاجِ هَذَا الكِتَابِ، عَلَى الْمَنْهَجِ العِلْمِيِّ الْمُتَّبَعِ في تَحْقِيقِ الْمَخْطُوطَاتِ، وَالْتَزَمَ قَوَاعِدَ التَّحْقِيقِ الْمَعْرُوفةَ؛ مِمَّا يَجْعَلُنَا نَلْهَجُ بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ للَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى تَوفِيقِهِ وَإِعَانَتِهِ عَلَى إِخْرَاجِ وَتَحْقِيقِ هَذَا الكِتَابِ القَيِّمِ، ثُمَّ نَشْكُرُ العَامِلِينَ في هَذِهِ الْمَكْتَبَةِ وَفي القِسْمِ العِلْمِيِّ وَمَرْكَزِ البَحْثِ عَلَى الْجُهْدِ الْمَشْكُورِ في إِخْرَاجِ الكِتَابِ، وَلأَخِي الفَاضِلِ الشَّيخِ/ صَالِحِ بْنِ عَبدِ الْعَزِيزِ السُّدَيسِ، شُكْرٌ خَاصٌّ عَلَى مُتَابَعَتِهِ خُطُوَاتِ العَمَلِ في هَذَا الكِتَابِ أَوَّلًا بِأَوَّلٍ، حَتىَّ خَرَجَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ الْمَرْضِيَّةِ.
وَقَبْلَ أَنْ أَضَعَ القَلَمَ، أَتَوَجَّهُ إِلى مَقَامِ صَاحِبِ السَّمَاحَةِ الوَالِدِ العَلَّامَةِ الشَّيخِ/ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ آلِ الشَّيخِ؛ المُفْتِي العَامِّ للْمَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ -حَفِظَهُ اللَّهُ- بِوَافِرِ الدَّعَاءِ، وَجَزِيلِ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، عَلَى جُهُودِهِ العِلْمِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ، وَعَلَى مَا يَخُصُّ مَكْتَبَةَ إِمَامِ الدَّعْوَةِ العِلْمِيَّةَ مِنْ عِنَايَةٍ وَدَوَامِ سُؤَالٍ وَاهْتِمَامٍ؛ مِمَّا كَانَ لَهُ أَكْبَرُ الأثَرِ في تَشْجِيعِ العَامِلِينَ. فِيهَا عَلَى مُوَاصَلَةِ جُهُودِهِمْ، كَمَا نُقَدِّمُ لَهُ عَاطِرَ الشُّكْرِ، وَنَدْعُو لَهُ بِوَافِرِ الْمَثُوبَةِ وَالأَجْرِ، عَلَى تَفَضُّلِهِ بِتَقْرِيظِ هَذَا الكِتَابِ، مِمَّا نَعْتَبِرُهُ عَقْدَ جِيدِهِ
الْمُتَلأْلِئَ، وَغُرَّةَ جَبِينهِ الوَضَّاءِ، وَتِلْكَ مَشَاعِرُ نَرَاهَا دَيْنًا نُسَدِّدُهُ بِبَثِّهَا، مَعَ رَجَاءِ قَبُولِهَا وَالاِعْتِذَارِ عَنِ التَّقْصِيرِ فِيهَا.
1 / 12
وَللَّهِ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَآخِرًا، بَاطِنًا وَظَاهِرًا، عَلَى حُسْنِ تَوفِيقِهِ وَعَظِيمِ إِنْعَامِهِ وَجَزِيلِ آلَائِهِ، بِتَوَلِّي إِخْرَاجِ هَذَا السِّفْرِ الْجَلِيلِ، بِهَذَا الثَّوبِ الْجَمِيلِ، ضَارِعِينَ إِلَيهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ التَّقْصِيرِ وَالزَّلَلِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ العِلْمِ الذِي يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ الإخْلَاصِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا العِلْمَ النَّافِعَ وَالعَمَلَ الصَّالِحِ، إِنَّهُ خَيرُ مَسْؤُولٍ وَأَكْرَمُ مَأْمُولٍ، وَآخِرُ دَعْوانَا أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثيرًا.
وَكَتَبَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ السُّدَيْس
الْمُشْرِفُ الْعَامُّ عَلَى مَكْتَبَةِ إِمَامِ الدَّعْوَةِ الْعِلْمِيَّةِ
مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ
غُرَّةَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ
١٤٢٣ هـ
1 / 13
تَرْجَمَة الْمُصَنِّفِ (١)
هوَ سِرَاجُ الدِّينِ أبُو عَبْدِ اللَّه الْحُسَيْنُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، الدُّجَيْلِيُّ (٢) ثُمَ الْبَغْدَادِيُّ، الْفَقِيهُ الْمُتَفَنِّنُ، الْمُقْرِئُ، الْفَرَضِيُّ، النَّحْوِيُّ، الأدِيبُ. وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسِتمِائَةٍ.
حَفِظَ الْقُرْآنَ في صِبَاهُ، وَيُقالُ: إِنهُ تَلَقَّنَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ في مَجْلِسَيْنِ، وَالْحَوَامِيمَ في سَبْعَةِ أَيَّامٍ. كَانَ خَيِّرا فَاضِلًا، ذَكِيًّا، مُتَمَسِّكًا بِالسُّنَّةِ، كَثِيرَ الذِّكْرِ، حَسَنَ الشَّكْلِ دَمِثَ الأَخْلَاقِ، مُتَوَاضِعًا. وَكَانَ في مَبْدَأِ أَمْرِهِ يَسْلُكُ طَرِيقَ الزُّهْدِ وَالتَّقَشُّفِ الْبَلِيغِ وَالْعِبَادَةِ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ فُتِحَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَوْرَادٌ وَنَوَافِلُ.
_________
(١) ينظر: "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب (٢/ ٤١٧)، و"الدرر الكامنة" للحافظ ابن حجر (٢/ ٤٨)، و"المقصد الأرشد" لابن مفلح (١/ ٣٤٩)، و"المنهج الأحمد" للعليمي (٥/ ٥٥)، ومختصره "الدر المنضد" له (٢/ ٤٨٧)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٨/ ١٧٣)، و"إيضاح المكنون" لإسماعيل باشا (٢/ ٢٥٨)، و"هدية العارفين" (١/ ٣١٤)، و"المدخل" لابن بدران (ص ٢٠٦)، و"رفع النقاب" لابن ضويان (٤٥٠)، و"الأعلام" للزركلي (٢/ ٢٦٢)، و"معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة (١/ ٦٤٨)، و"تسهيل السابلة" للبردي (٢/ ١٠٢٥)، و"علماء الحنابلة" لبكر أبو زيد (ص ٢٤٠)، و"مصنفات الحنابلة" لعبد اللَّه الطريقي (٤/ ٨).
(٢) نسبة إلى "دجيل" -مصغرًا-: نهر في أعلى بغداد. ينظر: "المشترك وضعا والمفترق صقعا" لياقوت (ص ١٧٦)، و"الأنساب" (٢/ ٤٦٠).
1 / 15
شيوخه:
سَمعَ الْحَدِيثَ بِبَغْدَادَ: مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الطَّبَّالِ (١)، وَمُفِيدِ الدِّينِ الْحَرْبِيِّ الضَّرِيرِ (٢)، وَابْنِ الدَّوَالِيبِيِّ (٣)، وَغَيْرِهِمْ. وَبِدِمَشْقَ: مِنِ ابْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْبَعْلِيِّ (٤)، وَالْحَافِظِ الْمِزِّيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنَ الْكَمَالِ الْبَزَّارِ، وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الزَّجَّاجِ (٥)، وَجَمَاعَةِ مِنَ الْقُدَمَاءِ. وتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الزَّرِيرَانِيِّ (٦).
_________
(١) إسماعيل بن علي بن أحمد، عماد الدين، البغدادي، توفي سنة ثمان وسبعمائة. "معجم الشيوخ" للذهبي (١٨٢)، "الدرر الكامنة" (١/ ٣٦٩)، "المقصد الأرشد" (١/ ٢٥٦).
(٢) عبد الرحمن بن سليمان بن عبد العزيز، توفي سنة سبعمائة. "ذيل الطبقات" (٢/ ٣٤٤) "الدرر الكامنة" (٢/ ٣٢٩)، "المنهج الأحمد" (٤/ ٣٦٣).
(٣) محمد بن عبدالمحسن، ابن الخراط، البغدادي، توفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. "معجم الشيوخ" (٧٧٩) "الدرر الكامنة" (٤/ ٢٧)، "المنهج الأحمد" (٥/ ٢٢).
(٤) محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، توفي سنة تسع وسبعمائة. "ذيل الطبقات" (٢/ ٣٥٦)، "الدرر الكامنة" (٤/ ١٤٠)، "المنهج الأحمد" (٤/ ٣٧٩).
(٥) عبد الحميد بن أحمد بن محمد، مكين الدين، ابن الزجاج العلثي، توفي في أول سنة ثلاث وتسعين وستمائة. "المقصد الأرشد" (٢/ ١٢٢)، "المنهج الأحمد" (٤/ ٣٤٥).
(٦) عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر البغدادي، توفي سنة تسع وعشرين وسبعمائة. "ذيل الطبقات" (٢/ ٤١٠)، "الدرر الكامنة" (٢/ ٢٨٩)، "المنهج الأحمد" (٥/ ٤٦).
1 / 16
حَفِظَ كُتُبًا في الْعُلُومِ مِنْهَا: "الْمُقْنِعُ" في الْفِقْهِ، وَ"الشَاطِبِيَّةُ"، وَ"الأَلْفِيتَانِ" في النَحْوِ، وَ"مَقَامَاتُ الْحَرِيرِيِّ"، وَ"عَرُوضُ ابْنِ الْحَاجِبِ"، وَ"الدُّرَيْدِيَّةُ"، وَ"مُقَدِّمَةٌ في الْحِسَابِ"، وَقَرَأَ الأَصْلَيْنِ وَعُنِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَعُلُومِ الأَدَبِ.
صَنَّفَ كِتَابَهُ "الْوَجِيزَ" في الْفِقْهِ، وَعَرَضَهُ عَلَى شَيْخِهِ الزَّرِيرَانِيِّ، فَمِمَّا كَتَبَ لَهُ عَلَيْهِ: "أَلْفَيْتُهُ كِتَابًا وَجِيزًا كَمَا وَسَمَهْ جَامِعًا لِمَسَائِلَ كَثيرَة، وَفَوَائِدَ غَزِيرَة قَلَّ أَنْ يَجْتَمعَ مِثْلُهَا في أَمْثَالِهْ، أَوْ يتَهَيَّأَ لِمُصَنِّفٍ أَنْ يَنْسِجَ عَلَى مِنْوَالِهْ" (١).
وَصَنَّفَ كِتَابًا في أُصُولِ الدِّينِ، وَكِتَابَ "نُزْهَةِ النَاظِرِينَ"، وَكِتَابَ "تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ"، وَلَهُ "الْكَافِيَةُ" قَصِيدَةٌ لَامِيَّةٌ في الْفَرَائِضِ عَلَى الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ (٢)، عَدَدُ أَبْيَاتِهَا (٢٤٣) بَيْتًا، وَأَوَّلُهَا:
بَدَأتُ بِحَمْدِ اللَّه ذِي الطَّوْلِ أوَّلَا ... وَأبْدَيْتُ شُكْرًا فَاحَ مِسْكًا وَمَنْدَلَا
. . . إلخ.
تلاميذه:
حَدَّثَ وَاشْتَغَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَانْتَفَعُوا بِهِ في الْفِقْهِ، وَفِي
_________
(١) "ذيل الطبقات" (٢/ ٤١٧).
(٢) ذكر الزركلي في "الأعلام" (٢/ ٢٦٢) أنها مخطوطة في دار الكتب المصرية (٣٩ فرائض).
1 / 17
الفَرَائِضِ؛ مِنْهُمْ: جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ السُّرَّمَرِّيُّ (١)، وَالشَّرَفُ ابْنُ سَلُّومٍ (٢) قَاضِي حَرْبَا (٣).
وفاته:
تُوُفيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، سَادِسِ رَبِيعِ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةِ، وَدُفِنَ بِـ "الشَّهِيدِ"؛ قَرْيَةِ مِنْ أَعْمَالِ "دُجَيْلِ". رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
* * *
_________
(١) يوسف بن محمد بن مسعود جمال الدين، العبادي ثم العقيلي، أبو المظفر، توفي سنة ست وسبعين وسبعمائة. "الدرر الكامنة" (٤/ ٤٧٣)، "المنهج الأحمد" (٥/ ١٤٣).
(٢) "ذيل الطبقات" (٢/ ٤٤٦)، و"المنهج الأحمد" (٥/ ٨٩)، و"الدر المنضد" (٢/ ٥١٧).
(٣) بُليدة من أقصى دجيل. "معجم البلدان" (٢/ ٢٧٤).
1 / 18
كِتَابُ "الْوَجِيزِ" وَنِسْبَتُة إِلَى مُؤَلِّفِهِ
نَسَبَ "الوَجِيزَ" إِلَى الدُّجَيْلِيِّ كُلُّ مَنْ تَرْجَمَ لَهُ، وَجَاءَ اسْمُ الْكِتَابِ عَلَى غِلَافِ النُّسْخَةِ الْخَطيةِ هَكَذَا: "الْوَجِيزُ في الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ". وَجَاءَ في أَوَّلِه: "قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ. . . الْحُسَيْنُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ". وَذَكَرَهُ ابْنُ بَدْرَانَ (١) فِيمَا اصْطَلَحَ عَلَى إِطْلَاقِهِ مُؤَلِّفُو الْمَذْهَبِ وَنَسَبَهُ إِلَى الدُّجَيْلِيِّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ بَكْرٌ أَبُو زَيْدٍ: "وَقَدِ اعْتَمَدَ عُلَمَاءُ الْحَنَابِلَةِ كِتَابَهُ هَذَا مَتْنًا مُهِمًّا في الْمَذْهَبِ" (٢). اهـ.
وَمِنْ أَهَمِّ مَنِ اعْتَمَدَ "الْوَجِيزَ" نَقْلًا عَنْهُ وَاعْتِبَارًا بِخِلَافِهِ: الْعَلَّامَةُ الْمَرْدَاوِيُّ في "الإِنْصَافْ، في مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنَ الْخِلَافْ"؛ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ مِنَ الْمُتُونِ فَقَالَ: ". . . وَ"الْوَجِيزُ" لِلشَّيْخِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ الْبَغْدَادِيِّ"، ثُمَّ امْتَدَحَهُ فَقَالَ: "وَاعْلَمْ أَن مِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْكُتُبِ نَفْعًا، وَأَكْثَرِهَا عِلْمَا وَتَحْرِيرًا، وَتَحْقِيقًا وَتَصْحِيحًا لِلْمَذْهَبِ: كِتَابَ "الْفُرُوعِ". . . وَكَذِلَكَ "الْوَجِيزُ"؛ فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَهُ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ عَبْدِ اللَّهِ الزَّرِيرَانِيِّ فَهَذبَهُ لَهُ. إِلَّا أَنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً لَيْسَتِ الْمَذْهَبَ، وَفِيهِ مَسَائِلُ كَثيرَةٌ تَابَعَ
_________
(١) "المدخل" (ص ٢٠٦، ٢٠٧).
(٢) "المدخل المفصل" (٢/ ٧٤٨).
1 / 19
فِيهَا الْمُصَنِّفَ (أي: الموفَّق في "الْمُقْنِعِ") على اخْتِيَارهِ، وَتَابَعَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ صَاحِبَ "الْمُحَرَّرِ" وَ"الرِّعَايَةِ"، وَلَيْسَتِ الْمَذْهَبَ" (١). اهـ. كَمَا اعْتَمَدَه الْمَرْدَاوِيُّ أَيْضًا في "تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ" (٢) وَأَكْثَرَ الْعَزْوَ إِلَيْهِ وَالنَّقْلَ عَنْهُ.
وَقَدِ اعْتَمَدَ "الْوَجِيزَ" أَيْضًا عُلَمَاءُ اخَرُونَ أَلَّفُوا في الْمَذْهَبِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْسُبُوهُ إِلَيْهِ صَرَاحَةً -كَالْمَرْدَاوِي- اكْتِفَاءً بِاصْطِلَاحِهِمْ عَلَى إِطْلَاقِ "الْوَجِيزِ" وَصَرْفِهِ إِلَى "وَجِيزِ الدُّجَيْلِىِّ"؛ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ بَدْرَانَ. فَمِنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ:
١ - شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُفْلحِ (ت ٧٦١ هـ)، فِي "الْفُرُوعِ" (٣)، وَ"النُّكَتِ وَالْفَوَائِدِ السَّنِيَّةِ عَلَى مُشْكِلِ الْمُحَرَّرِ" (٤).
٢ - ابْنُ قُنْدُسٍ (ت ٨٦١ هـ)، في "حَوَاشِيهِ" عَلَى "الْفُرُوعِ" (٥).
٣ - بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ مُفْلحٍ (ت ٨٨٤ هـ)، في "الْمُبْدِعْ، في شَرْحِ الْمُقْنِعْ" (٦).
_________
(١) "الإنصاف" (١/ ١٨، ١٩، ٢٣). وهذه بعض المواضع التي نقل المرداوي عن "الوجيز": (١/ ٣١)، (٣/ ٢٣١)، (٤/ ٧٦)، (٨/ ٣١٩)، (٢٥/ ٢٩٠)، (٢٨/ ١٦١).
(٢) نقل عنه في: (١/ ٢٩٤)، (٣/ ٣٢٧)، (٤/ ٦٦)، (٥/ ٣٦٨).
(٣) نقل عنه في: (١/ ٢٤٤، ٢٦٣، ٣١٠)، (٢/ ٨).
(٤) نقل عنه في: (١/ ٣٢٩).
(٥) نقل عنه في: (١/ ٤٩ - تحقيق: صالح الفوزان رسالة دكتوراه)، وفي (ص ١٢٨، ٢٦٤ - تحقيق: محمد بن عبد العزيز السديس).
(٦) نقل عنه في: (١/ ٦٣)، (٢/ ٦٥، ٤١٦)، (١٠/ ١٧).
1 / 20
٤ - ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي (ت ٩٠٩ هـ)، في "الدُّرِّ النَّقِيِّ، في شَرْحِ أَلْفَاظِ الْخِرَقِي" (١).
٥ - الشُّوَيْكِيُّ (ت ٩٣٩ هـ)، في "التَّوْضِيحْ في الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُقْنِعِ وَالتَّنْقِيحْ" (٢).
٦ - الْحَجَّاوِيُّ (ت ٩٦٨ هـ)، في "الإِقْنَاعْ، لِطَالِبِ الاِنْتِفَاعْ" (٣).
٧ - الْبُهُوتِيُّ (ت ١٠٥١ هـ)، في "كَشَّافِ الْقِنَاعْ، عَنْ مَتْنِ الإِقْنَاعْ" (٤)، وَ"الرَّوْضِ الْمُرْبِعْ، شَرْحِ زَادِ الْمُسْتَقْنِعْ" (٥)، وَ"شَرْحِ مُنْتَهَى الإِرَادَاتِ" (٦)، وَ"إِرْشَادِ أُولِي النُّهَى" (٧).
٨ - مُصْطَفَى بْنُ سَعْدٍ السُّيُوطِيُّ الرُّحَيْبَانِيُّ (ت ١٢٤٣ هـ)، في "مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى، في شَرْحِ غَايَةِ الْمُنْتَهَى" (٨).
٩ - ابْنُ ضُوَيَّانٍ (ت ١٣٥٣ هـ)، في "مَنَارِ السَّبِيلِ" (٩).
_________
(١) نقل عنه في: (١/ ٢٨).
(٢) نقل عنه في: (٢/ ٥١٠)، (٣/ ١٢٥٤).
(٣) نقل عنه في: (٣/ ١١٥) (٤/ ٤٥).
(٤) نقل عنه في: (١/ ٣٨٢)، (٢/ ٦)، (٥/ ٧٨).
(٥) نقل عنه في: (١/ ٤٢)، (٢/ ١٠٤٩).
(٦) نقل عنه في: (١/ ٨٣)، (٤/ ٤١٧).
(٧) نقل عنه في: (١/ ٤٧)، (٢/ ١٢٣٤).
(٨) نقل عنه في: (١/ ١١١)، (٥/ ٣٥١)، (٦/ ٦٤٤).
(٩) نقل عنه في: (٢/ ٤٤٤، ٤٥٤).
1 / 21