سألها الراكب المذهول: «ما هذا؟» «في شعرك.»
مرر أصابع يده بين شعره، وراح الملح يتساقط على أرضية القارب. وجاءت ضحكته وهي تحمل شيئا من شعوره بالارتياح. •••
كان دي بلونفيل دائما ما يعتقد أن الضباط على متن السفن الحربية كانوا يعرفون بأمره. وعندما عرف في باريس أنه سيتزوج من ابنة أدميرال إنجليزي، والتي تقول الشائعات إنه أنقذها من موت وشيك، علق ملازم الجيش أنها لا يمكن أن تكون قد سمعته وهو يتحدث الإنجليزية، وهو أمر غير صحيح كما نعرف.
مادة متفجرة جديدة
جلس وزير الحربية الفرنسي في كرسيه الوثير في مكتبه الرسمي الخاص، وراح يفكر في أمر خطاب كان قد تسلمه. ولكونه وزير الحربية، كان الرجل بطبيعة الحال الأكثر دماثة وإنسانية والأقل عدوانية بين أعضاء مجلس الوزراء. يتلقى وزير الحربية الكثير من الخطابات التي يكون مصيرها - بالطبع - في سلة المهملات الخاصة به، لكن هذا الخطاب على وجه التحديد نجح بطريقة ما أن يجذب انتباهه. وعندما يصير المرء وزيرا للحربية، فإنه يعرف للمرة الأولى أن السواد الأعظم من البشر ينكبون على صنع أو اختراع البندقيات والبارود والآلات بكل أنواعها المصممة خصيصى لتدمير بقية العالم.
في صباح ذلك اليوم، كان وزير الحربية قد تلقى خطابا نما إلى علمه أن كاتبه قد اخترع مادة متفجرة مروعة حتى إنه يتضاءل أمامها تأثير كل المواد المتفجرة المعروفة أمامها. ولكون كاتب الخطاب فرنسيا؛ فقد قدم عرضه الأول بخصوص اكتشافه إلى الحكومة الفرنسية. وقال كاتب الخطاب أيضا إن الوزير لن يخسر شيئا لكي يجري اختبارا يثبت ادعاءاته المذهلة حول تلك المادة، وإن اللحظة التي سيجري فيها هذا الاختبار هي اللحظة التي سيعرف فيها أي رجل ذكي حقيقة أن الدولة التي تمتلك سر ذلك المركب التفجيري ستكون في موقف حصين وسط عالم متنازع ومتناحر.
وقد عرض كاتب الخطاب أن يحاول بنفسه إثبات صحة ادعاءاته تلك إلى الوزير، شريطة أن يذهبا إلى بقعة بعيدة لا يمكن لتأثير الانفجار أن يحدث أي أذى، وحيث سيكونون في مأمن من التجسس . واستطرد الكاتب بأن قال بصراحة شديدة إن الوزير إذا استشار عملاء الشرطة فإنهم سيرون في تلك الدعوة من فورهم فخا لاحتمال اغتيال الوزير. لكن المخترع تذرع بأن الوزير بحسن إدراكه وتمييزه للأمور سيعلم أن لا أحد يرغب في قتله. ذلك أنه لم يعين في منصبه ذلك إلا حديثا، وأنه لم يمض وقتا كافيا ليصنع له أعداء. وكانت فرنسا في حالة سلم مع العالم كله، وقد حدث هذا قبل مظاهرات دعاة الفوضوية في باريس. واستكمل كاتب الخطاب حديثه بأنه من المنصف أن يحصل الوزير على ضمانات على حسن نية المخترع. ولذا فقد أعطاه اسمه وعنوانه، وقال بأن الوزير إذا ما استفسر عنه لدى الشرطة، فلن يجد في سجلاتهم شيئا ضده. كان المخترع طالبا، ولسنوات طويلة، لم يكن انتباهه منصبا على شيء سوى المتفجرات. ولكي يثبت أكثر أنه لم يكن أنانيا في هذا الأمر، أضاف المخترع بأنه لم تكن لديه أي رغبة في تحقيق ثراء شخصي من وراء اكتشافه. كان للمخترع دخل شخصي يكفي احتياجاته إلى حد كبير، وكان ينوي إعطاء سره هذا إلى فرنسا وليس بيعه لها. وكان الشرط الوحيد الذي وضعه هو أن يقرن اسمه باسم ذلك المركب المروع، الذي قال بأنه سيؤمن السلام الدائم في العالم بأسره؛ ذلك أن أي أمة لن تجرؤ على محاربة أخرى بعد أن تنتشر خصائص تلك المادة ويذيع صيتها. وقال في خاتمة الخطاب إن الطموح الوحيد الذي يرنو إليه المخترع هو أن يتصدر اسمه قائمة أسماء علماء فرنسا البارزين. أما إذا رفض الوزير التعامل معه فإنه سيقدم عرضه إلى الحكومات الأخرى حتى تأخذه إحداها، لكن الحكومة التي ستحصل عليه ستحتل من فورها موقع الصدارة بين بقية الدول. ومن ثم، ناشد الوزير باسم وطنه بأن يجري ولو اختبارا واحدا على الأقل لتلك المادة.
وكما قلت، كان هذا قبل وقوع أحداث انفجارات باريس، ولم يكن الوزراء متشككين حينها كما هم الآن. وقد استفسر الوزير عن ذلك العالم الذي كان يعيش في ضاحية صغيرة من ضواحي باريس ، ووجد أنه لا يوجد شيء ضده في سجلات الشرطة. وأظهر البحث أن كل ما قاله عن ثروته الخاصة كان صحيحا. ولذا، فقد كتب الوزير إلى المخترع وحدد ساعة سيقابله فيها في مكتبه الخاص.
حانت الساعة وجاء الرجل. كان الوزير يشك قليلا في رجاحة عقله، لكن الخطاب كان مكتوبا على نحو صريح للغاية، وكان مظهر الرجل يوحي بأنه طبيعي وذكي وهادف للنفع بحيث تبددت كل الشكوك لدى المسئول الرسمي.
قال الوزير: «تفضل واجلس. نحن بمفردنا تماما، ولن يسمع أحد ما ستقول عداي.»
صفحه نامشخص