الإسلام «العلمي» هو أحد مسميات اليسار الإسلامي في مقابل الخرافي والأسطوري. ولا يعني العلم هنا العلم الطبيعي المتغير طبقا لتصورات العلم وكيفية تطبيقها في التقنية الحديثة والمتجددة باستمرار. إنما يعني الإسلام الطبيعي الذي يتفق مع معطيات الطبيعة العامة وليست الميتافيزيقا المغرقة في النظريات والمجردات والتأملات باسم الدين، وهو أيضا الإسلام الواقعي المتفق مع مقتضيات الواقع. الإسلام الممكن وليس المستحيل كما قال محمد عبده من قبل في «رسالة التوحيد» أن الوحي ممكن الوقوع. لذلك انتشر الإسلام بسرعة لم يشهد التاريخ بمثلها لواقعيته وسهولته وطبيعيته. ولفظ «الواقع» لفظ قرآني. فالدين واقع
وإن الدين لواقع . والعذاب واقع
إن عذاب ربك لواقع . والوعد واقع
إنما توعدون لواقع . وإذا كان الوعد واقعا، فالوعد صادق
إنما توعدون لصادق ، وهو الإسلام الذي يبدأ بعالم الشهادة. ويعتمد على الحس والمشاهدة وشهادة الحواس التي اعتمدها القرآن في البرهان، العين للبصر، والآذان للسمع ضد الأوهام والخيالات، وبعيدا عن الغيبيات السمعية التي تخرج عن دائرة البرهان العقلي، وهو الجانب الذي تضخم في العقود الأخيرة لصعوبة رؤية الواقع والشهادة عليه، واستسهال الإغراق في الغيب الذي لا يمكن السيطرة عليه، وهو أيضا الإسلام الذي يقوم على المضمون وليس على الشكل «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». فالشعائر مضمون قبل أن تكون صورة. الشهادة تحرر وجداني بفعلي النفي والإثبات في «لا إله إلا الله » قبل أن تكون تمتمة بالشفتين. والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قبل أن تكون حركات وسكنات. والصيام إحساس بالفقراء قبل أن يكون إمساكا عن الطعام والشراب في وقت معلوم. والزكاة مشاركة الفقراء في أموال الأغنياء قبل أن تكون ضريبة كمية، والحج توجه القلب نحو هدف واحد قبل أن يكون شعائر، سعيا وإفاضة وطوافا وهديا ورميا بالجمرات. ولو أن لفظ «مادي» كان له معنى تداوليا إيجابيا لأمكن استعماله. حينئذ يعني الإسلام المادي الاهتمام بحياة الناس وسعادتهم في الدنيا، بأرزاقهم ومعاشهم وتعليمهم وصحتهم وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية في مقابل الإسلام الكهنوتي المنغلق الذي حول الدين إلى بضاعة وتجارة وتكسب ورزق ومعاش خاصة في القنوات الفضائية.
وإذا كان اليسار الإسلامي إسلاما عقلانيا فمن الطبيعي أن يكون إسلاما طبيعيا. فالعقل والطبيعة هما الركيزتان الرئيسيتان للوحي. فالنص له دعامتان. الأولى في العقل والفكر والنظر والبرهان. والثانية في الطبيعة والواقع وحياة الناس. الأولى في السماء، والثانية في الأرض. وإلا يتحول الوحي إلى مجرد عقائد وشعائر مغلقة على نفسها. بلا دليل يؤيدها أو واقع تتحقق فيه.
وقد ظهر هذا البعد في النص نفسه في أسباب النزول. كل حكم له سبب في الواقع. الواقع يسأل، والوحي يجيب. و
يسألونك عن الأهلة ،
ويسألونك عن المحيض ، و
يسألونك عن الأنفال ، و
صفحه نامشخص