فالتفت إلى الصديق، وقلت: من أتى بك؟ ألم أقل لك أكثر من عشرين مرة إني لا أحب أن يزورني أحد؟ ألم أنشر في الجرائد مرات ومرات أن وقتي لا يتسع للزيارات؟
فتبسم الصديق، وقال: لطفا، لطفا، فما جئت إلا بالرغم مني، وصاحبي هذا قدم من الموصل، ورجاني أن أدله على بيتك ليراك، ودخلنا فجلسنا لحظة، وأنا على جانب من سوء الخلق لأني كنت أحب أن أخلو إلى القلم والقرطاس، ولكن الزائر الكريم ظنني أمزح فاحتمل سوء خلقي، ثم اقترح الصديق أن نخرج فنقضى لحظة في أحد الأندية فاعتذرت. فقال: راع حق الموصل.
فقلت: حبا وكرامة! وخرجنا فجلسنا في أحد الفنادق نحو نصف ساعة ، ثم استأذنت.
وسأل الرفيقان: متى نلتقي؟
فقلت: بعد شهر!
فقال الزائر الكريم: إني لن أقضي غير أسبوع واحد في بغداد.
فقلت: سأزورك في الموصل!
فقال: أراك تهرب مني!
فقلت: لا أهرب، ولكني مشغول.
وبعد ثلاث ليال سمعت طارقا يناديني، فنظرت فإذا هو أديب الموصل، فاستقبلته وأنا متضجر متأنف، ولكنه ظنني أمزح، كأنه استكثر أن ألقى الضيف بالتضجر والتأنف، فتتشجعت وقلت: إنني أحرم نفسي من إخواني في العراق، وأعتكف في المنزل لأتمم كتاب «عبقرية الشريف الرضي».
صفحه نامشخص