فقهقه كليم هنا وقال: نعم، هذا خير ما يعتذر به عن طياشة ذلك الطوير المطرب.
وكأن المكاري ضجر من هذه اللغة التي لم يكن يفهم منها شيئا، فتحول ضجره إلى غضب على جواده فصاح به بأعلى صوته: «ديه سوق ...»، وهم بإتمام عبارته، فصاح به كليم: إياك أن تكملها يا جرجس! فقال جرجس: وما هذا يا معلمي؟ فقال كليم: أنت فهمت كلامي بلا تفسير.
فسأل سليم كليم: وما معنى كلامك؟ فأجاب كليم باللغة الإنكليزية: هي نادرة مضحكة تحدث بين بعض هؤلاء المكارين والعائلات المدنية التي تصيف في قراهم؛ فإنهم يسمون هذه العائلات «سوقة»، وحينما يرومون التهكم عليهم في الطريق يقول أحدهم لرفيقه: «سوق يا أخي، سوق يلعن هالسوقة.» يظهر أنه غير راض عن سير الدواب، والحقيقة أن مراده «سب السوقة» في وجوههم دون أن يدروا بذلك.
فضحك سليم وقال: يظهر أن صاحبنا غير راض عنا حتى رام إهانتنا، والذنب في ذلك ذنبنا؛ لأننا لم نهتم بملاطفته لنستميله إلينا، ثم التفت سليم إلى جرجس ليفاتحه بالحديث فقال: لماذا سرت بنا يا جرجس على هذه الطريق من الوادي؟ خذنا من فوق عن طريق «فيع».
فقال جرجس: لا يا معلمي، لا نستطيع الآن المرور عن طريق فيع لحدوث خصام شديد بين قريتنا وأهالي تلك القرية منذ يومين.
فقال سليم: نعم، سمعنا بهذا الخصام، ويقال أن قد جرح رجلان وأسقطت امراة في أثنائه ، فما سببه؟
فقال جرجس: سببه يا معلمي خصام بين أولاد فيع وأولاد قلحات؛ فقد كان خمسة أولاد من أولاد فيع يلعبون بإزاء حقول العنب الكائنة بين القريتين، ويأكلون من العنب بلا حق، فأسرع إليهم ثلاثة من أولادنا لردعهم عن الاعتداء على رزقنا، ففر أولاد فيع ووقفوا بعيدا، فصار أولادنا يتغنون بغناء قديم عندهم وهو:
يا رايح إلى فيع
دبدب لا تضيع
يا بسين قلحات
صفحه نامشخص