وفي (المنتظم) لابن الجوزي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض ويتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) وهذا يؤكد ما قررناه من أن الدخول لذلك المحل الشريف صيرورته محجرا على هذا الوجه لمصلحة من المصالح ليس فيها نقص من الأدب ولأن تأخر إزالة ما أصاب ذلك المحل الشريف إلى ذلك الحين فلا شك أن أهل ذلك العصر ممن يتولى دفن عيسى صلوات الله وسلامه عليه يتولى أيضا إزالة ذلك ويكثر تعجبهم من تقصير من كان قبلهم في إزالة ذلك. والسهوة: قيل بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه المخدع والخزانة، وقيل هو كالصفة يكون بين يدي البيت، وقيل غير ذلك. قال الشيخ عبد العظيم المنذري: واسم السهوة يصدق على كل هذه الأمور.
...قلت: والمناسب فيه القول الثاني.
ثم لا يتوهم أحد أن ذلك الحايز المجعول على ذلك المحل الشريف من السلف رحمهم الله تعالى دليل على المنع من الدخول لذلك المحل الشريف مطلقا لما قدمناه ولما نقلوه من طلب الحسن رضي الله عنه الدخول بجنازته إلى ذلك المحل للدفن مطلقا ووافقه على ذلك عائشة رضي الله عنها وغيرها ممن يحتج بهم.
قال الأقشهري في (روضته) قال ابن عبد البر: إن عائشة رضي الله عنها كانت قد أباحت للحسن رضي الله عنه أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها وكان سألها ذلك في مرضه فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية في خبر يطول ذكره.
وقال الإمام رشيد الدين المظفر أحمد الكارموني شارح مصابيح الإمام البغوي: سألت جمعا من العلماء عن سبب ستر القبور على أعين الناس فذكر بعضهم أنه لما مات الحسن بن علي رضي الله عنهما أوصى أن تحمل جنازته ويحضر بها قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ترفع فيدفن في البقيع، فلما أراد الحسين أن يجيز وصية أخيه ظن طائفة أنه يدفن في الحضرة فمنعوه وقاتلوه وكان على المدينة من أولاد مروان واحد هو عبد الملك أو غيره فعند ذلك سدوا وستروا وذكر غيره أن بني أمية لما منعوا من ذلك قالوا: والله لا يدفن ابن علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفن عثمان في حش كوكب.
وقد ورد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
لولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا وأيضا فعمل الطابق المتقدم وصفه في الباب الأول [دليل] على جواز الدخول عند الحاجة مع أن ابن النجار روى عن أبي علقمة أن الناس كانوا قبل أن يدخلوا البيت يسلمون ولم يكن عليه غلق حتى توفيت عائشة رضي الله عنها.
صفحه ۱۳۸