قلت: ولا شك أن الإدراكات المذكورة من الأعراض المشروطة بالحياة وكذا إدراك النعيم والعذاب الثابتين لسائر الموتى لكن إنما يقتضي حياة جزء يقع به الإدراك فلا يتوقف على البنية كما زعمه المعتزلة.
... قال العلامة ابن الهمام في (المسايرة) وبعد اتفاق أهل الحق على إعادة قدر ما يدركه به من الحياة تردد كثير من الأشاعرة والحنفية في إعادة الروح فمنعوا تلازم الروح والحياة إلا في المعاد ومن الحنفية القائلين بالمعاد الجسماني من قال بأنه يوضع فيه الروح وقول من قال إذا صار ترابا تكون روحه متصلا بترابه فيتألم الروح والتراب جميعا محتملا قوله فتجرد الروح وجسمانيتها وقد ذكرنا أن منهم كالما تريدي وأتباعه من يقول بتجردها. انتهى
وإذا كان هذا حال عالم الأموات فما ذاك بخاصتهم الذين ثبت لهم بقاء الأبدان وقد حققنا حكم ما خلفه صلى الله عليه وسلم في الأصل عند الكلام على إدخال الحجرة صلى الله عليه وسلم في المسجد الشريف فليراجع.
وقال الشيخ علاء الدين القونوي الذي يظهر أن يقال اعتقاده حياة الأنبياء في قبورهم بأن يكونوا فيها كما كانوا قبل وفاتهم وهم مستمرون على الإقامة فيها بمثل حياتهم الأولى ليس من مسائل الفروع التي تكفي في الاستدلال عليها بالظنون وقد ثبت أن الله تعالى توفاهم قطعا وزالت عنهم تلك الحياة التي كانت لهم قبل وفاتهم فمن ادعى عودها إليهم يحتاج إلى دليل قاطع وما ذكره البيهقي وغيره لا ينهض دليلا على ذلك بأنه يعتقد أنهم أحياء عند ربهم حياة أشرف وأكمل وأعلا من هذه الحياة المعهوده وأنه صلى الله عليه وسلم عند الله مع الرفيق الأعلى في السموات العلا عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وهذا أفضل من أن يكون في قبره مقيما فيه وأن يقول بأنه يفسح للمؤمن في قبره كمد البصر فكيف النبي صلى الله عليه وسلم لكن كونه في الجنة التي عرضها السموات والأرض وأعلا وأكمل على أن ورد أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور، رواه البيهقي.
صفحه ۱۲۳