فإذا كان ذلك فعله إلى قبر الشافعي فما ذاك لقبر سيد المرسلين ولهذا أجد في قلبي حرارة عظيمة من الصلاة على بعض الأموات بالروضة الشريفة مع جعل رجل الميت في تلك الجهة المنيفة وقد بسطت القول في ذلك في الأصل وسنشير إليه في الخاتمة وبالجملة فتعظيمه صلى الله عليه وسلم وتعظيم قبره الشريف ... من الأمور المعلومة في الدين بالضروة لكن قد يضن من لا تحقق عنده أن دخول ذلك المحل الشريف لإزالة ما قدمناه ليس من الأدب وذلك خطأ لأن المبادرة لإزالة ذلك من تمام الأدب والاحترام الواجب له صلى الله عليه وسلم علينا وهو لا يتأتى إلا بالدخول فالدخول المذكور واجب إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن خالف في وجوب إزالة ذلك يخشى عليه الوقوع في الكفر لإخلاله بتعظيمه صلى الله عليه وسلم ولعمري لو تهدم جدار على قبر صديق لإنسان لرأى أن من الوفاء بحقه إماطة ذلك من على قبره وهذا لا يرتاب فيه أحد فكيف بقبر سيد الخلايق الذي هو مقدم في الحب على النفيس والوالد والولد والمال، ولولاه ما برحنا في ظلمات الضلال، بل لم يكن لنا وجود بحال، ثم لو كان الدخول سوء أدب لما طلب أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما وهما أفضل هذه الأمة فهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما مكنهما من ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الهداة المهديون لقوله صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) هذا مع أنه ليس في الدفن هناك مصلحة تعود على المحل الشريف بل في ذلك إزعاج له بحفر التراب بالمساحي وإهالته بها ثانيا، وأيضا فلو كان الدخول لإزالة ما ذكر سوء أدب لما فعله عمر بن عبد العزيز مع جلالة قدره ولم ينكره عليه أحد، ثم تلاه في ذلك غيره من السلف ولم ينكر ذلك عليهم في زمن من الأزمان بل مدحوا به، فأما واقعة عمر بن عبد العزيز فهو ما ذكره العلامة ابن زبالة في تاريخه وهو من أقدم التواريخ، لأنه وذكر فيه أنه وضع في سنة تسع وتسعين وماية من الهجرة وتبعه ابن النجار في (الدرة الثمينة) وابن عساكر في (التحفة) ونقل ذلك أن جدار الحجرة الشريفة التي تلي موضع الجنايز يعني جهة المشرق سقط في زمن عمر بن عبد العزيز، وظهرت القبور المقدسة.
صفحه ۱۱۱