212

الواضح في أصول الفقه

الواضح في أصول الفقه

پژوهشگر

الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي

ناشر

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

محل انتشار

بيروت - لبنان

ژانرها

فصل
وقد أشارَ اللهُ سبحانَه إلى المذهب الأخيرِ-وهو مذهبُنا- في كثيرٍ من الأفعالِ، واكتفى بذلك بيانًا للعاقلِ، وتنبيهًا له على باقِيها، فقالَ في حق عيسى: (﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا (١) بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ (٢) الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي﴾ [المائدة: ١١٠]، وإذا أخرجَ عيسى أن يكونَ فاعلًا، وجعلَ له الفعلَ سبحانه، فلا موجودَ إلا عن فعلِه وخَلْقِه؛ لأنه لو اختُصَّ شئ من خلقِه بفعلٍ يكونُ منه وعنه، لكانَ الأخص بذلك الأنبياءَ ﵈ الذين أيدَهُم بما خَصهم به من خَرْقِ العاداتِ شهادةً لهم بالصدقِ، وقال

= ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾، وقال: ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وقال: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾، ومثل هذا في القرآن كثير، وكذلك في الحديث عن النبي ﷺ كقوله: "لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني به حتى أصلي عليه، فإن الله جاعل بصلّاتي عليه بركة ورحمة"، وقال ﷺ: "إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة، وإن الله جاعل بصلاتي عليهم نورًا".
فالله سبحانه خلق الأسباب والمسببات، وجعل هذا سببًا لهذا، فإذا قال القائل: إن كان مقدورًا، حصل بدون سبب، وإلا لم يحصل. جوابه أنه مقدور بالسبب، وليس مقدورأ بدون السبب. انظرا مجموع الفتاوى" ٨/ ١٣٦ - ١٣٩ و٣/ ١١٢ - ١١٣.
(١) هذه قراءة نافع وأبي جعفر ويعقوب، وقرأ الباقون: ﴿طيرًا﴾. "الغاية في القراءات العشر" ص ١٢٥، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٢٤٠ و٢٥٦.
(٢) في الأصل: "وإذ تبرىء"، وهو غلط من الناسخ.

1 / 180