فتبسم رجاء الدين وهو لا يتقلقل من مكانه، كأنه صاحب الصولة والدولة ومصطفى كمال الصعلوك أمامه، وقال: أما كيف عرفت كل هذا فقد جاء تفصيله من قنصلنا في الآستانة إلى السفارة هنا في تلغراف جفري سري، وأما إثبات هذا الكلام فعلى دولتكم يا سيدي، على دولتكم أن تتحققوا إن كان إفكا أو حقيقة. ولو شئت يا مولاي التحقيق الدقيق لرأيت أن الرفيقين شيشرين وتروتسكي عرفا برسالة أغا خان الهندي لكم قبل أن يكتبها.
فازداد الغازي تأثرا ودهشة وقال: مهلا يا هذا، إني مشغول على التلفون بضع دقائق.
ولكن قبل أن ينهض الغازي من مكانه وافى الحارس الداخلي بتلغراف، ففضه الغازي. وما وقعت عينه على الإمضاء إلا ضرب بيده على المكتب، فصاح: تبا له من بارد بليد. جعلناه حاكم الآستانة لكي ...
ثم أمسك عن الكلام؛ إذ فطن أنه لا يزال مع شخص غريب لا يليق أن يطعن برجال حكومته أمامه، ولكن رجاء الدين تناول الحديث معتذرا عن حاكم الآستانة وقال: عذرا يا صاحب الدولة، ليست مصلحة التلغراف أحسن حالا من مصلحة التلفون، راجع التاريخ.
وكان الغازي يقرأ التلغراف وهو ينتفض غضبا، ثم طواه وقال: لقد ثبت ما تقول يا رجاء الدين أفندي. وسيعلم الذين ... أبلغ سعادة السفير أن خاطره عزيز عندي.
وكان كلام مصطفى باشا كمال الأخير يدل على أنه خاتمة الحديث، فقال له رجاء الدين: إن سعادة السفير لا يزال يترقب بفروغ صبر الأدلة الواضحة على تنفيذ وعودكم.
فنظر إليه الغازي مستفهما وقال: أي وعود؟
فقال رجاء الدين مبتسما: الوعود المقدسة المختصة بالفائدة من محالفة الجمهورية التركية لحكومات السوفيات. - اسمح لي الآن. إن لي شغلا مع ... - عفوا يا دولة الغازي. أعلم أن لكم شغلا الآن مع عصمت باشا وغيره. ولكن شغلكم معنا أهم.
فقال مصطفى باشا كأنه يريد أن يختصر الحديث: نعم. نعم. أنا عالم أن شغلي معكم أهم. سلم على سعادة السفير وقل له أن يرجئ الموضوع إلى جلسة خاصة بيني وبينه. - عفوا يا دولة الباشا، إن كل أشغالك التي تشغلك بعد هذه الدقيقة تتوقف على معلوماتي التي لا تعلم منها شيئا بعد، والتي لا تأتيك بتلغراف من حاكم الآستانة ولا يقدر أن يفيدك إياها أحد. فمهلا، تسلح قبل أن تناضل. أنا الجبخانة يا باشا، فخذ مني السلاح والذخيرة!
فازداد الغازي دهشة لحديث هذا الرجل الذي لا يعرفه أكثر من كاتب في السفارة، وقال: هل عندك أخبار أخرى مهمة؟ - من غير شك، وإلا لما جئت أنا إليك، بل كان السفير يجتمع بك وكفى، فمهلا، إن شغلك مع عصمت باشا وشكري بك ومظهر مفيد بك ومحمد أمين بك وإحسان بك وغيرهم يمكن تأجيله. وأما حديثك معي فلا يؤجل دقيقة. - حسنا. تفضل قل ما عندك. - قبل كل شيء أرجو أن تجيب على سؤالي الأول، وهو: متى تنفذون الوعود المقدسة التي وعدتموها، وأعني بها: متى تتبلشفون تماما!
صفحه نامشخص