2
تتحول إليك أنظارهم، وتشرئب أعناقهم، ويجلسون وكأن على رءوسهم الطير، وهذا هو الأمر الذي يحدوني إلى إظهار حيل متنوعة مثيرة للعواطف كل عام، ولي في هذا العام شأن عظيم في بعض ألعاب مدهشة منها: إخفاء الفيل، وإخفاء الإبرة التي تبتلع مائتي إبرة، ومائة قدم من الخيط، ثم إظهار هذا العدد مرة ثانية وفي كل إبرة خيطها.
ويسألني الكثيرون عن إبداع الحيل التي يميل إلى مشاهدتها الجمهور؛ وجوابي أن هذا يتوقف على نوع الحاضرين، فالسيدات مثلا يرغبن في مفاجأتهن برؤية الأزهار والطيور الجميلة، والأشياء التي يرينها ويتناولنها يوميا، والرجال - على العكس من ذلك - يحبون لعبة الورق وحجرة العذاب الصينية، وأرى أن جميع الحيل التي يشتد فيها الخطر تروق الرجال أكثر مما تروق النساء.
ومن الملاحظات العجيبة أيضا أن الناس يهتمون لرؤية الأشياء تختفي أكثر مما يدهشون لرؤيتها تظهر ثانية؛ فإنك حين تعيد لهم الأشياء التي أخفيتها عنهم يتهمونك بأنك كنت قد خبأتها في مكان لم يفطنوا إليه، أما حين تخفيها عنهم فإنك تزيد في حيرتهم وإعجابهم، ولهذا تراني أهتم بإخفاء الفيل الضخم الذي يزن عشرة آلاف وخمسمائة رطل عن أعينهم في بضع ثوان في مضمار نيويورك، أكثر مما اهتم بإعادته ثانية من الهواء.
وإن فكرة إخفاء فيل زنته عشرة آلاف وخمسمائة رطل هي فكرة مروعة ومحيرة معا.
وقد قمت بأعمال باهرة في السنوات الأخيرة في مناسبات عدة فأظهرت قدرتي على إنقاذ نفسي بعد أن يشد وثاقي.
على أن مثل هذه الحيل تكبدني عناء لا يوصف؛ فقد كنت أوثق في جذع الشجرة وثاقا محكما، وتغل يداي ثم أغمر في الماء بحيث تكون رأسي إلى أسفل؛ فأنجو من تلك القيود الثقيلة المحكمة، وأتخلص من تلك الحبال التي أوثقوني بها بحيل عجيبة مدهشة، وفي هذا النوع من الألعاب من الخطر المحقق ما لا يستهان به، وهو أكثرها ملاءمة وتسلية للناس، والناس يأنسون برؤية الخطر وليس من مأربهم طبعا أن يروني قتيلا؛ ولكن من مأربهم أن يروني في خطر محقق أحاول النجاة منه، والخطر إذا كان الإنسان بمأمن منه حين يراه يصبح معجبا. •••
ولو أن قوما رأوا مصورا فوق سطح منزل ذي عشر طبقات لوقف بعضهم ينظر إليه، ولو أن ذلك الرجل نفسه قد زلت قدمه مثلا وأمسكت إحدى يديه بحافة السطح فأصبح معلقا في الفضاء لرأيت الجمع يحتشد، والزحام يشتد في أسرع وقت لرؤية هذا المنظر، ومشاهدة ما فيه من الخطر، وليس يغتبط الناس في أمثال هذه المواقف برؤية سواهم من الناس يهلكون؛ ولكنهم يودون ألا يفوتهم ذلك إذا حدث، ويحبون أن يكونوا في اللحظة التي يحدث فيها، وهذا هو السر في اغتباط الناس وشدة فرحهم حين يرونني أبدأ في اللعبة المعروفة بحجرة العذاب الصينية التي يعدونها من أمتع حيلي؛ لما فيها من الخطر الداهم.
ويرى الحاضرون - قبل شروعي في هذه اللعبة الشاقة - تلك اللعبة الزجاجية الضيقة وهي ملأى بالماء، وفي رجلي ثقل زنته ثلاثمائة وخمسون رطلا، وأنا أنغمس فيها بحيث تكون رجلاي في أعلاها ويداي في أسفلها - كما مر - على مرأى من الناس جميعا، ثم تغلق تلك العلبة الزجاجية التي تحتويني، والخطر الداهم المحقق في هذه اللعبة هو أن هلاكي يتحتم إذا لم أستطع التخلص من تلك القيود والأصفاد وأنجو من هذه العلبة الزجاجية توا؛ وذلك هو السر في إيجاد مساعدي بحيث يقف بجانب الزجاجة دائما حاملا في يده ملطسا حتى إذا غبت دقيقتين دون أن أخرج اضطر إلى تحطيم الزجاجة وإخراجي في الحال.
وإذ يرى الحاضرون هذا المساعد واقفا أمام الزجاجة يتحققون من أن هناك خطرا علي؛ فينصتون إنصاتا، ويرهفون آذانهم إرهافا، ولا يتحركون وكأنما على رءوسهم الطير، ويظلون كذلك حتى يروني أنجو من هذه الزجاجة، ويستغرق ذلك عادة نحو ثلاثين ثانية.
صفحه نامشخص