آگاهی: راهنمای مختصری برای معمای اصلی ذهن
الوعي: دليل موجز للغز الجوهري للعقل
ژانرها
يهدف هذا الكتاب إلى زعزعة افتراضاتنا اليومية بشأن العالم الذي نعيش فيه. إن بعض الحقائق مهمة للغاية وغير بديهية على الإطلاق (تتكون المادة في أغلبها من فراغ خاو؛ والأرض هي كرة دوارة واحدة من مليارات الأنظمة الشمسية في مجرتنا؛ والكائنات المجهرية تسبب المرض؛ وهكذا)؛ لذا نحتاج إلى تذكر هذه الحقائق مرارا وتكرارا، إلى أن تتغلغل أخيرا في ثقافتنا وتصبح أساسا لتفكير جديد. ويحتل الغموض الجوهري للوعي - وهو موضوع محير للغاية للفلاسفة والعلماء على حد سواء - مكانة خاصة بين هذه الحقائق التي نحتاج إلى تذكرها. إن هدفي من تأليف هذا الكتاب هو أن أنقل للقارئ البهجة التي تنبع من اكتشاف مدى روعة الوعي وكم هو مدهش.
وقبل أن نطرح أي أسئلة عن الوعي، يجب علينا تحديد ما نتحدث عنه في المقام الأول. يستخدم الناس هذه الكلمة بعدة طرق مختلفة؛ مثل الإشارة إلى حالة اليقظة، أو الشعور بالذات، أو القدرة على التأمل في الذات. ولكن عندما نريد أن نحدد بالضبط الخاصية الغامضة التي تشكل جوهر الوعي، فمن المهم أن نركز على ما يجعله فريدا من نوعه. وأكثر التعريفات جوهرية للوعي هو التعريف الذي قدمه الفيلسوف توماس ناجل في مقالته الشهيرة «ماذا يشبه أن تكون خفاشا؟» وهو المعنى الذي أستخدم به الكلمة في هذا الكتاب بالكامل. وخلاصة الشرح الذي يقدمه لنا ناجل هو على النحو التالي:
يكون الكائن الحي واعيا إذا كان ثمة «شيء يشبه» كونه ذلك الكائن الحي.
1
وبعبارة أخرى، الوعي هو ما نشير إليه عندما نتحدث عن التجربة في أكثر أشكالها جوهرية. هل ثمة «شيء يشبه» كونك أنت في هذه اللحظة؟ من المفترض أن تكون إجابتك هي نعم. هل ثمة «شيء يشبه» كونك ذلك المقعد الذي تجلس عليه؟ ستكون إجابتك (على الأرجح) هي لا، بالقدر نفسه من الحسم. وهذا الاختلاف البسيط - بين ما إذا كانت ثمة تجربة حاضرة أم لا - الذي يمكننا جميعا استخدامه كنقطة مرجعية، هو الذي يشكل ما أعنيه بكلمة «الوعي». هل ثمة «شيء يشبه » كونك حبة رمال، أو بكتيريا، أو شجرة بلوط، أو دودة، أو نملة، أو فأرا، أو كلبا؟ عند نقطة ما على طول هذا الطيف، تكون الإجابة هي نعم، ويكمن اللغز العظيم في معرفة السبب وراء «إضاءة أنوار الوعي» لدى بعض تجمعات المادة في الكون.
ويمكننا حتى أن نتساءل: عند أي نقطة من تطور الإنسان ينبثق الوعي إلى الوجود؟ تخيل الكيسة الأريمية البشرية بعد بضعة أيام فقط من تخصيب البويضة، والتي تتكون من حوالي مائتي خلية فقط. إننا نفترض أنه لا يوجد على الأرجح «شيء يشبه» أن يكون المرء هذه المجموعة المجهرية من الخلايا. لكن بمرور الوقت، تتكاثر هذه الخلايا وتتحول ببطء لتصبح طفلا بشريا له دماغ بشري، قادر على اكتشاف التغيرات في الإضاءة والتعرف على صوت أمه، حتى وهو لا يزال في الرحم. وعلى عكس جهاز الكمبيوتر، الذي يمكنه أيضا اكتشاف الضوء والتعرف على الأصوات، فإن هذه المعالجة تكون مصحوبة بخبرة أو شعور بالضوء والصوت. وفي أي مرحلة من مراحل تطور دماغ الطفل يخبرك حدسك فيها قائلا: «حسنا، الآن ثمة خبرة تعاش هناك»، يكمن اللغز في التحول. أولا، لا يكون ثمة وعي، ثم فجأة، وعلى نحو سحري، وفي اللحظة المناسبة ... ينبثق شيء ما. وبغض النظر عن مدى ضآلة هذا الشيء الأولي، فإن شرارة الشعور أو الخبرة تشتعل على نحو واضح في قلب ذلك الجماد، متجسدة من قلب الظلام.
وعلى أي حال، يتكون الطفل الرضيع من جسيمات لا تختلف عن تلك التي تحوم في قلب الشمس. فالجسيمات التي تشكل جسدك كانت ذات يوم مكونات لعدد لا يحصى من النجوم في ماضي هذا الكون. وقد سافرت مليارات السنين لتستقر في جسدك - في هذا التكوين المحدد الذي هو أنت - وهي الآن تقرأ هذا الكتاب. تخيل متابعة حياة هذه الجسيمات من أول ظهور لها في الزمان والمكان وحتى اللحظة التي أصبحت فيها مرتبة على نحو يتيح لها أن تبدأ في أن تشعر بشيء ما أو تختبر شيئا ما.
رسمت الفيلسوفة ريبيكا جولدشتاين صورة لهذا اللغز رائعة في وضوحها ومرحها:
من المؤكد أن الوعي مسألة مادة - فما عساه يكون غير ذلك، حيث إن ذلك هو ما نحن عليه - ورغم ذلك، فإن الحقيقة هي أن بعض كتل المادة لها حياة داخلية ... لا تشبه أي خصائص أخرى للمادة رأيناها حتى الآن، فضلا عن تلك التي استطعنا تفسيرها. هل يمكن لقوانين حركة المادة أن تنتج «هذا»، كل «هذا»؟ فجأة تستيقظ المادة وتفهم العالم وتستوعبه؟
2
صفحه نامشخص