ثم مضى به إلى أندية قريش، فجعل لا يمر بناد منها إلا قال: يا معشر قريش، اشهدوا علي أني قد حالفت ياسر بن عامر هذا العنسي. وجعل لا يقول ذلك لناد من أندية قريش إلا قالوا له: سعيت غير مذموم، وحالفت غير ملوم.
فلما طوف به على أندية قريش كلها قصد به قصد الكعبة. قال الفتى: إلى أين تريد؟ قال أبو حذيفة: إلى حيث أشهد الآلهة على حلفنا. قال الفتى متضاحكا: ويحك أبا حذيفة!
19
أتظن أن الآلهة لم تسمعك وأنت تشهد الناس؟! فهي قد سمعت وشهدت ورضيت، أم تراها لا تسمع إلا إذا دنوت منها كما يدنو الرجل من الرجل حين يريد أن يناجيه؟!
قال أبو حذيفة: ما أرى إلا أني قد حالفت اليوم شيطانا! ويحك يا فتى عنس! فإنا قد ألفنا أن نقف من آلهتنا موقف المتحدث إليها المناجي لها.
قال الفتى: فقف منها هذا الموقف حيث شئت؛ فإنها ينبغي أن تكون معك في كل مكان.
قال أبو حذيفة، وقد أخذه شيء من وجوم، كأن الفتى قد رد إليه شيئا غاب عنه، أو رده إلى شيء غاب عنه: فلا أقل من أن نطوف بالكعبة؛ ليتم لهذا الحلف حقه من الحرمة والتقديس.
قال الفتى: أما هذا فنعم. ثم مضيا فطوفا بالكعبة ما شاء الله أن يطوفا بها، وراحا
20
إلى دار أبي حذيفة حليفين، ولكن بينهما من الأمر أكثر مما يكون بين الحليف والحليف. •••
صفحه نامشخص