هنالك ثابت إلى رباح نفسه، وذكر احتياله في صيانة الأميرة مما كان يراد بها من سوء، وذكر أنه لم يخدع مولاه ولم يكذب عليه قط إلا هذه المرة، وحرص على أن يخفي خداعه وكذبه مخافة أن يصيبه ويصيب زوجه بعض الشر، فقال وهو يتكلف ضحكا خير منه البكاء: وماذا تريد أن أقول لك؟ لقد وقعت في نفسي، فأحببتها.
قال خلف: أحببتها وكنت تريد أن تذلها؟!
قال رباح: أميرة صارت إلى الرق وزوجت من عبد لم يكن ليطمع في خدمتها، فاحتملت ذلك مذعنة
145
له، ثم راضية عنه، ثم سعيدة به، فكيف تريد أن أذلها أو أهينها؟!
قال خلف في صوته الحزين: هو ذاك، هو ذاك! قد ألغى الرق ما كان بينكما من تفاوت الدرجة واختلاف المنزلة.
قال رباح متضاحكا: أليس غريبا أن يكون الرق هو الذي يسوي بين الناس، ويلغي ما بينهم من تفاوت الدرجة واختلاف المنزلة، وأن تكون الحرية هي التي تفرق بين الناس، فتجعل منهم الغني والفقير والقادر والعاجز والقوي والضعيف والسيد والمسود؟ متى ينقضي هذا الليل؟ ومتى يسفر عن الصبح المشرق الجميل؟
قال خلف: ويحك! ماذا تقول؟! أي ليل وأي صبح؟!
قال رباح: الليل هو هذا الدهر الذي نعيش فيه والذي يسوي فيه الرق بين الأرقاء، وتفرق فيه الحرية بين الأحرار والعبيد، ويتمايز الناس فيه بأعمالهم وبلائهم، لا بمنازلهم وحظوظهم من الثراء.
قال خلف، وقد أغرق في الضحك: لقد تكهنت يا رباح منذ اليوم، دع ليلك المظلم وصبحك المشرق، وحدثني عن صبيك هذا الذي كنت تريد أن تئده منذ حين، ما اسمه؟ وما شكله؟
صفحه نامشخص