وليس في عباراتهم ما يقتضي تجويزهم -بَلْهَ استحبابهم- للعمل بخبرٍ لم يثبت عن النبي ﷺ، فيما لم يأتِ ما يشهد له من الشرع. وعبارةُ بعضهم صريحةٌ في أن مَوْرِد التساهل إنما هو فيما لا يضع حكمًا ولا يرفعه، أو فيما لا يتعلَّق به حكم، ونحو ذلك.
أمَّا الأحاديث الضعيفة في أبواب الأدعية والأذكار، فإن الداعي أو الذاكر إذا قصد التعبُّدَ بأعيانِ ألفاظها، في ذلك الزمان الخاصّ، بتلك الكيفية الخاصة؛ فسبيل هذا سبيلُ الأحكام الشرعية التي لا تؤخَذُ إلّا مِنْ صِحاح الآثار ومستقيم الروايات، أمّا إن لم يقصد ذلك، وإنّما اختارها لإيجازها وبُعْدِها عن التكلُّفِ ونحو ذلك؛ فالأمر واسعٌ إن شاء الله، وعلى مثله تُحمَل عبارات الأئمة: أبي زرعة وابن خزيمة والحاكم والبيهقي المُشار إليها آنفًا، والله أعلم.
وقال العلّامة المعلّمي: ". . . صيغةُ الدعاء المرويَّةِ بسندٍ ضعيفٍ يكثرُ الانتفاع بها بدون ارتكاب محظور، فقد يختار المكلَّف ذلك الدعاء لا لكونه مأثورًا، بل لكونه جامعًا للمقاصد، أو بليغًا، أو مناسبًا لحاله، ونحو ذلك، وإذا اختير دعاءٌ لِداعٍ من هذه الدواعي، وواظب عليه المختارُ لم يكن عليه حرجٌ إجماعًا. . ." (^١) .
وينبغي -مع هذا- أنْ يُقْرَنَ الحديثُ الضعيفُ في عصرنا ببيان
_________
= (٢/ ٢١ - ٢٣)، و"الأنوار الكاشفة" (٨٧ - ٨٨)، و"شرح الشفاء" للخفاجي (١/ ٤٣)، و"مرقاة المصابيح" للقاري (٢/ ٣٨١)، و"وبل الغمام" للشوكاني (١/ ٥٣ - ٥٦).
(^١) "حكم العمل بالحديث الضعيف" (ق ١٦).
المقدمة / 30