Virtues of Imam al-Azam Abu Hanifa - Edition with Jawahir al-Mudiyah Commentary
مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة - ط بذيل الجواهر المضية
ناشر
مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية-حيدر آباد الدكن
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٣٣٢ هـ
محل انتشار
الهند
ژانرها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب الأرض والسماء ذي الفضل والطول والنعماء رفيع الدرجات في الصفات والأسماء ورافع مراتب العلماء من الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء والصلوة والسلام على سيد الأنبياء وسند الأصفياء وعلى آله وصحبه نجوم الاهتداء وعلى اتباعهم بحسن الإقتداء فى الملة الحنفية السمحاء
أما بعد
فيقول الواثق بكرم ربه الباري علي بن سلطان محمد القاري إني لما وفقني الله سبحانه بلطفه الخفي وتوفيقه الوفي على كتابة مسند الإمام وشرح مسند الإمام أحببت أن أذكر بعض مناقبه وأشهر نبذة من مراتبه تنبيها للجاهلين بمقامه والغافلين عن دقائق مرامه وأذيله بذكر أصحابه العلية المشاهر من طبقات الحنفية وما لهم من اللطائف الخفية والعوارف الجلية والمعارف السنية رجاء أن أتخلق بفرائد أخلاقهم وأترزق من موائد أرزاقهم فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وببركاتهم تحصل النعمة وتزول النقمة وقد قيل للجنيد سيد الطائفة هل لذكر المشائخ من منفعة فقال نعم فقيل له هل على ذلك دلالة من الكتاب أو السنة فقال نعم قال تعالى ﴿وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ ثم من المعلوم أن الأولياء هم العلماء العاملون والفضلاء الكاملون وقد ثبت عن الإمامين الجليلين أبي حنيفة والشافعي أنهما قالا لو لم يكن العلماء أولياء فليس لله أولياء وروى ما اتخذا الله وليا جاهلا ولو اتخذه لعلمه ومما يشاهد من الآيات قوله تعالى ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم﴾ حيث اندرج فيهم الأولياء وقوله سبحانه ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾
2 / 450
وقوله ﷿ ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ وقد قيل لعبد الله بن المبارك كيف لا تستوحش وحدك في المقام فقال كيف يستوحش من يجالس النبي ﵇ والصحابة والتابعين ﵃ أجمعين يعني الكتب لان فيها الأخبار والآثار رواه الحاكم فى تاريخه عن نعيم ابن حماد
الإمام الأعظم والهمام الأقدم تاج الأئمة وسراج الأمة أبو حنيفة نعمان ابن ثابت الكوفي رحمة الله عليه
وهو ابن زوطا بفتح الزاي والطاء المهملة ابن ماه الكوفي هكذا رفع نسبه رضي الدين الصغاني الحنفي فى العباب ذكره مجد الدين الفيروز أبادي في طبقات الحنفية وقال النووي في تهذيب الأسماء والصفات ابن زوطا بضم الزاي وفتح الطاء وذكر صاحب الكافي أنه نعمان بن ثابت بن طاوس ابن هرمز بن ملك بن شيبان وذكر الإمام أبو مطيع البلخي أنه من العرب من قبيلة الأنصار وذكر نصر بن محمد بن نصر المروزي ان ثابتا كان من قرية نسا من خراسان وذكر حارث بن إدريس أنه كان من مدينة الرجال ثرمذ ورفع نسبه أبو إسحاق الصريفني إلى هود ابن النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن آزر وعدد من جملة آبائه الملك إسفنديار وكيقباد وقيل أنه من أبناء أفريدون من نسل ملوك العجم وبعضهم رفعه إلى هود النبي من أولاد سام بن نوح منتهيا إلى شيث بن آدم ﵈ لكن في تفسير البغوي في قوله تعالى ﴿ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله﴾ يعني من كان بعد نوح وعاد وثمود وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ هذه الآية ثم قال كذب النسابون وعن عبد الله بن عباس قال بين إبراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا
2 / 451
لا يعلمهم إلا الله وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نسبه أبا أبا إلى آدم وكذلك في حق النبي ﷺ لأنه لا يعلم أولئك الأباء أحد إلا الله هذا وقيل كان جده زوطا من أهل كابل أو بابل مملوكا لبني تيم الله ابن ثعلبة فاعتق فولد أبوه ثابت على الإسلام وإلا صح أنه من الأحرار ما وقع عليه الرق قط في جميع الأعصار كما هو منقول عن إسمعيل بن حماد ابن الإمام والله اعلم بحقيقة المرام
ثم اعلم أن التوفيق بين الروايات المذكورة في نسب الإمام ممكن لجواز أن يكون مولده ببلدة وتوطنه بأخرى ونشاؤه بغيرها وكذا بأهله بإحداها على أنه لا يلزم أن يكون كله موجودا في حق الإمام بل إذا وجد كل واحد في حق واحد من آبائه صح أن ينسب إليه فان الإمام أبا بكر الخوارزمي أمه خوارزمية وأبوه طبري وعن إسمعيل بن حماد بن أبي حنيفة أن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار والله ما وقع علينا رق قط ولد جدي في سنة ثمانين وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفى ذريته قيل هو يمي من رهط حمزة الزيات فيكون من قبيلة الصديق وكان خزازا يبيع الخز والصحيح أن الإمام ولد سنة ثمانين وقيل إحدى وستين وقيل ثلاث وستين وأجمعوا على إنه مات سنة مائة وخمسين ببغداد في رجب أو شعبان وقيل في شوال وروى عنه ﷺ أنه قال ترفع زينة الدنيا سنة خمسين ومائة وقد قيل مات في السجن ليلى القضاء فلم يفعل وقيل توفى في اليوم الذي ولد فيه الشافعي وقد ثبت رويته لبعض الصحابة واختلف في روايته عنهم والمعتمد ثبوتها كما بينته في = مسند الإمام حال إسناده إلى بعض الأصحاب الكرام فهو من التابعين
2 / 452
الأعلام كما صرح به العلماء الأعيان داخل تحت قوله تعالى ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ في عموم قوله ﵇ خير القرون قرني ثم الذين يلونهم رواه الشيخان وغيرهما وفي خصوص حديثه لو كان العلم في الثريا لنا له رجال من فارس على ما في الصحيحين وكثرة مناقبه تدل على رفعة مراتبه فلا يحتاج إلى الإستدال بأحاديث ذكرها العلامة الكردري وغيره بأسانيد في حقه ومنها أبو حنيفة سراج أمتي ونحوه مما قال المحققون من أهل الحديث أنه لا أصل له
ثم علم أن جمهور العلماء من أهل الحديث على أن الرجل بمجرد اللقي للصحابي يصير تابعيا ولا يشترط أن يصحبه مدة ولا ان ينقل عنه رواية بخلاف الصحابي فان بعض الفقهاء شرطوا فيه طول الصحبة أو المرافقة في الغزوة أو الموافقة في الرواية قال البخاري من صحبة أو رآه ﷺ من المسلمين فهو صحابي ويدل عليه ما ذكر ابن الصلاح عن أبي زرعة أنه سئل عن عدة من روى عنه ﷺ قال ومن يضبط هذا شهد معه فى حجة الوداع أربعون ألفا وفى تبوك سبعون ألفا ونقل عنه أيضًا قبض ﷺ عن مائة وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى وفي رواية ممن رآه وسمع منه فقيل هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا قال أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما من الأعراب فهذا الذي نقله ابن الصلاح نص منه لا يشترط الصحبة الطويلة واستدل أيضا على بطلانه بما روى شعبة عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيرا قال أتيت أنس بن مالك فقلت هل بقى من أصحاب النبي ﷺ أحد غيرك قال بقى ناس من الأعراب رأوه فإما من صحبه فلا إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة فأطلق اسم الأصحاب على كل من رآه وقد حققنا هذه المسئلة فى شرح شرح النخبة وقيل يطلق اسم التابعي
2 / 453
على من اسلم من الصحابة بعد الحديبية كخالد ابن الوليد وعمرو بن العاص وأمثالها من مسلمة الفتح لما ثبت أن عبد الرحمن بن عوف شكا إليه ﷺ خالد بن الوليد فقال ﵇ دعو إلى أصحابي فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدا أحدهم ولا نصيفه أطلق اسم الصحابة على من تقدم صحبته قبل الحديبية في مقام المقابلة وقد ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب تراجم بعض الأصحاب والواقدي خص مقاما التابعين ﵃ أجميعن وبعض مشايخ إمامنا وهم أربعة آلاف
منهم من ذكرنا مناقب بعضم في مسند الإمام وذكر الكردري أنه أدرك الإمام محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم ويسمى الباقر لأنه بقر العلم أي شقه بجودة ذهنه وحدة فهمه وكذا أدرك جعفر بن محمد ابن علي وهو الصادق وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ﵁ ولد سنة الثمانين في السنة التي ولد فيها الإمام ومات سنة ثمان وأربعين ومائة ومنهم ربيعة الرأي تابعي مشهور من فقهاء المدينة من شيوخ الإمام مالك وزيد بن اسلم مولى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ ومنهم شعبة بن الحجاج الذي يقال له أمير المؤمنين في الحديث ومنهم أبو محمد عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب من سادات بني هاشم وأمه فاطمة ابنة الحسين بن علي مات في حبس المنصور بالكوفة ومنهم الأوزاعي إمام أهل الشام ومنهم عطاء بن أبي رباح المكي كان جعد الشعر اسود افطس امثل اعور ثم عمي بعد ذلك قال أبو حنيفة ما رأيت افقه من حماد ولا اجمع من عطاء ومنهم أبو بكر عاصم بن أبي النجود بفتح النون وضم الجيم الإمام فى القرأة تابعي جليل القدر ومنهم عامر بن شراحيل بن عبد الله
2 / 454
الشعبي قال أدركت خمس مائة من أصحاب النبي ﷺ وكان يعجبه هذا البيت شعر … ليست الأحلام في حين النهي … إنما الأحلام في حال الغضب …
قلت قد ورد الصبر عند الصدمة الأولى وذكر بعضهم أنه أدرك بهلول بن حمزة الصوفي المجنون فان كان هذا بهلول الذي لقي الرشيد فلا يبعد لجوازان يكون طويل العمر وقصته أن الرشيد حج سنة ثمان وثمانين ومائة وكان بهلول حج في تلك السنة فلما لقيه قال يا أمير المؤمنين حدثني عمرو بن عبد الله العامري وقال رأيته ﷺ حج على جمل وتحته رحل رث ولم يكن بين يديه ضرب ولا طرد ولا إليك ثم أنشا يقول شعر … هب انك قد ملكت الأرض طرا … ودان لك العباد فكان ماذا
أليس غدًا مصيرك جوف قبر … ويحثوك التراب هذا ثم هذا
قال أحديث يا بهلول هل غير هذا قال نعم من رزقه الله مالا وجمالا فعف فى جماله وواسى فى ماله كتب في ديوان الأبرار فظن الرشيد أنه يستجدي فأمر له بمال وقال تقضي به دينك فقال لا يقضي دين بدين أن الذي أعطاك لا ينساني ثم قال توكلت على الحي الذي لا يموت وما أرجو سوى الله وما الرزق من الناس بل من الله وقد نظم بعضهم شعر غدا مذهب النعمان خير المذاهب … كذا القمر الوضاح خير الكواكب
تفقه في خير القرون مع الثقة … فمذهبه لا شك خير المذاهب
2 / 455
ثلاثة آلاف وألف شيوخه … وأصحابه مثل النجوم الثواقب …
وذكر الإمام النسفي صاحب = المنظومة عن عبد العزيز بن أبي رزمة أن توبة ابن سعد كان جالسه وأخذ صفو علمه وكان لا يجاوز فى القضاء أقوال أبي حنيفة ويقول حسبي هو بيني وبين ربي وقيل يوخذ بقول أبي يوسف في مسائل القضاء لأنه ابتلي بهذا البلاء والمذكور في = الفتاوي أنه إذا كان مع صاحبيه في طرف نأخذ به وان كان وحده في طرف متميز وقال ابن المبارك نأخذ بقوله لا غير
وذكر الإمام الإسفرايني بإسناده إلى علي بن المديني وهو من أساتذة البخاري وهو الذي طعن في حديث القلتين سمعت عبد الرزاق يقول قال معمر ما أعرف أحد بعد الحسن يتكلم في الفقه احسن معرفة منه وناهيك به أن الشافعي قال في حقه الخلق كلهم عيال أبي حنيفة فى الفقه وفى رواية من أراد أن يتبحر فى الفقه فهو عيال على أبي حنيفة وقال الشافعي قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته وهذا من كمال إنصاف مالك مع علو مقامه هنالك وغاية مبالغة في بلاغة الإمام وبيان المرام في جميع المقام وقال ابن المبارك رأيت أورع الناس فضيل بن عياض وأعلم الناس الثوري وأفقه الناس أبا حنيفة وقال أعلم الناس أي بالأحاديث والآثار وأفقه الناس أي أعلمهم بمعانيها والعلم بمعانيها يستلزم العلم بمبانيها وذكر الإمام الغزنوي أن الإمام الأديب أبا يوسف يعقوب بن أحمد بن محمد أنشد لنفسه
شعر
… حسبي من الخيرات ما أعددته … يوم القيامة في رضى الرحمن
دين النبي محمد خير الورى … ثم إعتقادي مذهب النعمان …
2 / 456
ومما يدل على فضيلة المتقدمين قوله تعالى أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها وفسر أنه يموت علمائها وقرائها وحديث أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا مات العلماء اتخذ الناس رؤسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ومن هنا لما كان الإمام في القرن المشهور اكتفى بظاهر عدالة الشهود إلا في باب الحدود وصاحباه لما كانا فى عصر غلبة الهوى فاشترطا تزكية أرباب الهدى وقد جاء فى الآثار والإخبار أن أولي الأمر هم العلماء الأخيار وقوله ﵇ في صحيح مسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية معناه لم يعرف من يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في أوانه
وقد قال بعضهم في تعريف المجتهد هو الذي يكون صوابه أكثر من خطائه أو العكس فإن المجتهد يخطئ ويصيب وثبوت لا ادري لا ينافي كونه مجتهدا فان مالكا سئل عن أربعين حديثا فقال في ست وثلاثين لا ادري وسئل على ﵁ عن مسئلة فقال سلوا مولاي الحسن وذكر الكردري أن الإمام حين فر من بني أمية جاور بالحرمين مدة كثيرة وإنما لزم الإمام من بين مشايخه الكرام حماد ابن أبي سليمان الكوفي الأشعري الفقيه لأنه كان افقه من غيره كما صرح الإمام بنفسه وذكر الإمام النيسابوري أن حمادا كان يفطر عنده في كل ليلة من ليالي رمضان خمسون إنسانا فإذا كان ليلة الفطر كساهم وأعطاهم كل واحد مائةٍ مائة وذكر أيضًا أن رجلا كلم حمادا أن يحول ابنه من معلم إلى معلم آخر لان المعلم الأول يقال ما يجري عليه كل شهر فقال كما يجري عليه كل شهر قال ثلاثون فقال دع الولد عنده فإنا نجري عليه في كل شهر من عندنا مائة وذكر أيضًا أنه جاء أبو الزناد جابيا للخراج إلى الكوفة
2 / 457
فقال رجل لحماد أشفع لي إليه في جباية ألف درهم فقال أنا أعطي لك من مالي خمسة آلاف درهم ولا ابذل وجهي له في ألف فدعا له الرجل بالخير
وذكر الحافظ أبو الحسن السجستاني أن الإمام الشافعي كان يقول ما زلت احب حمادا مذ بلغني عنه أنه كان راكبا فانقطع زره فمر على خياط فأراد أن ينزل ليسويه فمنعه عن النزول وقام وسواه فأخرج صرة فأعطاه وحلف أنه لا يملك غيرها قال الكردري ومثله سمعت عن والدي ﵀ يحكي عن أستاذه الأمير مولانا همام الدين الخطيبي الخوارزمي أنه مر راكبا فسقط عن كمه صرة فيها خمسون دينارا فأخذها رجل وناوله فلم يأخذها وقال إن هذا رزق ساقه الله إليك وفضائله جمة وفيه كفاية وذكر الإمام أبو المعالي الأسفرايني عن نجيم بن إبراهيم عن ابن كدام قال قال رجل أخطأ أبو حنيفة قال كيف تقول هذا وعنده مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما ومثل يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة وحفص بن غياث وحبان ومندل ابنا علي في حفظهم الحديث والقاسم بن معن في معرفته بالفقه والعربية وداود الطائي وفضيل بن عياض في زهدهما لم يكن يخطئ ولو أخطاء ردوه إلى الحق
وعن سفيان بن عيينة قال شيئان ما كنت أرى أن قراءة حمزة ورأي الإمام يتجاوزان قنطرة الكوفة وقد بلغنا الآفاق وعن الأوزاعي يقول هو أعلم الناس بمعضلات المسائل وعن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي المكي قال كنا مع جعفر بن محمد في الحجر فجاء الإمام فسلم وسلم عليه جعفر وعانقه وسايله حتى سأله عن الخدم فلما قام قال قائل يا ابن رسول الله هل تعرفه قال ما رأيت أحمق منك أسأله عن الخدم وتقول هل تعرفه هذا أبو حنيفة أفقه أهل بلده وعن الواقدي قال كان مالك كثيرا ما يقول بقوله
2 / 458
وإن كان لا يظهره وعن إسمعيل بن أبي فديك قال رأيت مالكا قابضا على يد الإمام وهما يمشيان فلما بلغا المسجد قدم الإمام فسمعته لما دخل المسجد قال بسم الله الرحمن الرحيم هذا موضع الأمان فأمني من عذابك ونجني من النار وعن ليث بن نضر قال لما اخرج عن القصر وطيف به حين امتنع من الولاية قال ابن شبرمة ما على هذا المسكين لو قبله قال ابن أبي ليلي هذا مسكين عندي وعندك وغدا يكون خيرا مني ومنك
وعن الحسن بن قتيبة قال مسعر ما أحسد إلا رجلين الإمام في فقهه والحسن بن صالح في زهده
وعن ابن المبارك كان مسعر إذا رآه قام له وإذا جلس جلس بين يديه وكان معظما له مائلا إليه ومثنيا عليه ومسعر من مفاخر الكوفة في زهده وحفظه وكان من شيوخه أكثر عنه الرواية في مسنده
وعن الاصمعي قلت لأبي يوسف لقد بلغ الله فيك الأماني هل وددت أكثر مما أنت فيه قال وددت أن لي زهد مسعر بن كدام وفقه الإمام وفي رواية قال وددت أن لي مجلسا من أبي حنيفة بنصف ما أملك وكان ماله أزيد من ألفي ألف قال الأصمعي ولم تتمنى هذا قال في النفس حزازات كنت أسألها عنه قلت وفيه رائحة تصف البخل وروى عن عاصم بن يوسف قال قلت لأبي يوسف اجتمع الناس على أنه لا يتقدمك في العلم أحد فقال ما علمي عند علم الإمام إلا كنهر صغير في جانب الفرات
وعن المعلي بن منصور قال أبو يوسف ما اتفق قولي وقوله إلا وجدت لها في قلبي قوة وما فارقته فى مسئلة إلا وفي قلبي أمثال الجبال من الضعف والريبة
وعن عثمان المزني قال كان الإمام افقه من حماد وإبراهيم وعلقمة والأسود
2 / 459
وعن أحمد بن بديل قال أبو معاوية يا أهل الكوفة رفعكم الله بالأعمش وبأبي حنيفة يا أهل الكوفة شرفكم الله به وبالأعمش وأبو معاوية هذا هو العزيز من أيمة الكوفة وأجلتهم وفد على الرشيد فأكرمه وجيئ بالطعام فأكله بين يديه وصب الرشيد الماء على يديه حتى غسلهما وقال أتدري من يصب الماء على يديك قال لا قال أمير المؤمنين قال أكرمك الله كما أكرمت العلم قال ما أردت إلا هذا
وعن عبد الله بن لبيد قال كنا عند يزيد بن هارون فقال المغيرة عن إبراهيم فقال رجل حدثنا عنه ﷺ فقال يزيد يا أحمق هذا تفسير أحاديثه ﷺ وماذا تصنع بالحديث إذا لم تعلم معناه ولكن همتكم السماع ولو كانت همتكم العلم لنظرتم في كتب الإمام وأقاويله فزبر الرجل وأخرجه عن مجلسه
وعن سويد بن نصر عن ابن المبارك أنه قال لا تقولوا رأى أبي حنيفة رحمة الله ولكن قولوا إنه تفسير الحديث
وعن محمد بن يزيد قال كنت اختلف إلى عامر فقال لي أنظرت في كتبه قلت أنى أطلب الحديث فما أصنع به قال طلبت الآثار سبعين سنة فلم أحسن الاستنجاء حتى نظرت في كتبه
وعن ابن المبارك عليكم بالأثر ولا بد للأثر فأنه يعرف تأويل الحديث ومعناه
وسئل الإمام عن افقه من في خراسان فقال الزفر بن محمد ودعي الإمام إلى مجلس فلم يجد رداء فاخذ الإمام رداء نصر بن محمد وكان شراؤه بمأتي درهم فلما رجع قال شهرتني بردائك
2 / 460
وعن عطية بن أسباط ختن ابن المبارك على أخته قال كان إذا قدم الكوفة استعار من زفر كتبه فكتبه مرارا
وسئل أمالك أفقه أم هو قال هو أفقه من ملأ الأرض مثل مالك
وعن ابن المبارك قال أن الله خلقه رحمة لهذه الأمة وعنه لولاه لكنت ممن يبيع الفلوس أو من المبتدعة
قال الكردري فان قلت ليس لأبي حنيفة كتاب مصنف قلت هذا كلام المعتزلة ودعواهم أنه ليس له في علم الكلام تصنيف وغرضهم بذلك نفي أن يكون الفقه الأكبر وكتاب العالم والمتعلم له لأنه صرح فيه بأكثر قواعد أهل السنة والجماعة ودعواهم أنه كان من المعتزلة وذلك الكتاب لأبي حنيفة البخاري وهذا غلط صريح فإني رأيت بخط العلامة مولانا شمس الملة والدين الكردري البزاتقني العمادي هذين الكتابين وكتب فيهما أنهما لأبي حنيفة وقال تواطأ على ذلك جماعة كثير من المشائخ انتهى
ومن تصانيفه وصاياه لأصحابه وقد شرحت الفقه الأكبر وضمتنه وصاياه بحمد الله ولعلي إذا ظفرت بالعلم والمتعلم اشرحه بعون الله وتوفيقه ولم يكن الإمام قدريا ولا جبريا ولا مرجيا ولا معتزليا بل سنيا حنفيا وتابعه يكون حنفيا
وعن إبراهيم بن فيروز عن أبيه قال رأيته جالسا في المسجد يفتي أهل المشرق والمغرب والفقهاء الكبار وخيار الناس كلهم حضور في مجلسه
وعن أبي حيان التوحيدي الملوك عيال عمر إذا ساسوا والفقهاء عيال أبي حنيفة إذا قاسوا والمحدثون كلهم عيال علي أحمد بن حنبل إذا أسندوا
عن مقاتل بن حيان أدركت التابعين ومن بعدهم فما رأيت أحدا مثله
2 / 461
قال العلماء أدرك مقاتل عمر بن عبد العزيز والحسن البصري ونافعا وجماعة من التابعين وروي عنهم وكان جليلا وروي عنه واخذ منه وهو شريكه في السماع عن التابعين مثل نافع وعطاء ومحمد بن المنكدر وابن سيرين وغيرهم
قال مقاتل وفدت إلى عمر بن عبد العزيز فأنزلني دار الضيافة وكان أصابه جنابة فأمر بتسخين الماء فقال الغلام ليس هنا حطب قال اشتر بالنسية إذا وجدته تقضي فجاء به فقال أين سخنته قال في دار الضيافة فرده فقال هات ماء من البئر فجاء به فصبه عليه فقال هذا أهون من زمهرير جهنم
وعن أبي معاذ البلخي أنه قال ما رأيت أحد أفضل منه وهو خالد ابن سليمان حافظ الحديث أخذ الحديث عن الثوري والحديث والفقه عن الإمام وكان زاهدا صلبا في دين الله وحين حج سفيان كان أبو معاذ عديله
وعن شقيق بن إبراهيم البلخي أن ذكر مناقبه من أفضل الأعمال وهو من الزهاد والعلماء العباد حتى قيل ما أخرجت بلخ مثله وقد دخل بغداد في زي الفقراء وعليه مدرعة صوف فرآه أبو يوسف من بعيد وهو في موكبه وجلالته فقال وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون قال نعم ثم رآه من بعيد قال يا أبا إسحاق أنت في كسوتك ما غيرتها قال لا لأني ما وجدت ما طلبتها يعني الجنة وأنت وجدت ما طلبت أي الدنيا فغيرت كسوتك
وعن شداد بن حكيم لولا هو وأصحابه لم نكن ندري ما نختار ونأخذ وكان شداد من أزهد أهل زمانه من أئمة بلخ صلى بوضوء ظهر اليوم ظهر الغد ستين سنة روي عن زفر وأصحابه مات شداد سنة ثلاث عشرة ومائتين
وعن ابن المبارك ذكر الإمام عند داود الطائي فقال ذاك نجم يهتدي به الساري وعلم تقبله قلوب المؤمنين وكل علم ليس بعلمه فهو بلاء على حامله والله
2 / 462
عالم بالحلال والحرام والنجاة من النار مع ورع مستكمل وخدمة دائمة
وعن أبي يوسف أن الإمام كان يفتي في المسجد الحرام إذ وقف عليه الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر الإمام ﵄ وعن آبائهما الكرام فقطن الإمام فقام فقال يا بن رسول الله لو علمت أول ما وقفت لما قعدت وأنت قائم فقال اجلس وافت الناس على هذا أدركت آبائي فان قلت هل لشهادة هؤلاء تأثير في الترجيح قلت نعم وأي تأثير عند أرباب الفطنة وذلك ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس﴾ قالت طائفة من المفسرين أنه شهادة البعض في الدينا وأما السنة فما في صحيح مسلم عن أنس عنه ﷺ أنه قال حين مرت به جنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت ثلاثا ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت ثلاثا فقال عمر رضى الله عنه فداك أبي وأمي ما وجبت قال ﷺ من أثنيتم عليه خيرا أوجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه ثلاثا ولا ينافي هذا ما في البخاري وغيره أنه الشهادة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم
فصل في مقام علمه
ذكر الغرنوي عن زفر عن الإمام أنه قال بلغت الغاية في الكلام حتى صرت مشارا إليه للأنام وكنت اجلس بقرب حلقة حماد فسئلت عمن له زوجة أمة كيف يطلقها للسنة فلم أهتد إلى جواب المسئلة فقلت لها سلي حمادا واخبريني بالجواب فسألت حمادا فأخبرتني فقلت لا حاجة لي في علم الكلام فتحولت إلى حلقة حماد وكان إذا ذكر المسئلة أحفظ قوله فإذا كرر كنت أحفظ أنا الجواب ويخطئ أصحابه فقال لا يجلس في الحلقة قبالتي غيرك فلزمته عشر سنين ثم أردت
2 / 463
أن انفرد في حلقة فلما دخلت المسجد على ذلك العزم لم أملك الخلاف فجلست عنده فأخبر بموت حميم له بالبصرة فخرج إليه وأجلسني مكانه فوردت علي ستون مسئلة لم أحفظ جوابها فأجبت وكتبت جوابي فلما جاء بعد شهرين عرضت عليه جوابي فخالفني في عشرين فحلفت أن لا أفارقه إلى الموت فلازمته ثمانية عشر سنة أخرى
وذكر تاج الإسلام أبو سعد السمعاني عنه قال خدعتني امرأة وفقهتني امرأة وزهدتني امرأة أما الأولى كنت مجتازا فأشارت لي امرأة إلى شئ مطروح في الطريق فتوهمت أنها خرساء وان الشيئ لها فلما رفعته إليها قالت احفظه حتى تسلمه إلى صاحبه والثاني سألتني امرأة عن مسئلة في الحيض فلم أعرف فقالت قولا فتعلمت الفقه والثالث مررت ببعض الطريق فقالت امرأة هذا الذي يصلي الفجر بوضوء العشاء فتعودت ذلك حتى صار عادة
وذكر عنه أنه قال كنت أنازع الناس في علم الدين فسئلت عن فريضة فلم أعرف فقيل تكلم في الدين وهو أدق من الشعر ولا تحسن فريضته فخجلت فأتيت الشعبي فإذا مخضوب الرأس واللحية يلعب بالشطرنج مع أصحابه فسألته عن مسئلة فقال ما يقول فيه الحكم بن عتيبة وحماد وسمعته يقول لا نذر في معصية الله ولا كفارة فيه فقلت الله تعالى يقول ﴿وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا﴾ ومع ذلك أوجب فيه الكفارة فقال أقياس أنت قم فاخرج عني فدخلت على قتادة فإذا هو يتكلم فى القدر فدخلت على أبي الزبير صاحب جبر بن عبد االله فرأيته رجلا لا يحفظ لسانه فأتيت نافعا مولى ابن عمر فإذا هو يروي عن مولاه أنه كان يرخص فى اتيان النساء غير ما تاهن ويتلوا قوله ﴿نساؤكم حرث لكم﴾ الآية فقلت هذا أحمق الناس أو أكذب الناس فإذا كان سمع منه كان عليه أن يكتمه فلزمت حمادا فإن قلت
2 / 464
قد أنكر الإمام علي الشعبي لعبه بالشطرنج وهو مختلف بين العلماء المتأخرين فإن مالكا والشافعي جوزاه والنكير في المجتهدات ساقط قال النمرتاشي ليس لك أن تنكر على من قلد مجتهدا أو اجتهد دليلا فإن نقول لا نكير إلا أن الأفضل أخذ العلم ممن هو الأتقى إلا كمل ولذا أنكر على فعله لا على قوله فان التقوى فوق الفتوى قال تعالى ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ وورد استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ومن المعلوم أن الخروج من موضع الخلاف مستحب بالإجماع وفسر بعضهم الانصباب بالنرد والشطرنج كما ذكر القرطبي وأغرب بعض الشافعية حيث بالغ في لعبه حتى بلغه إلى حد الندب وإذا عيي القراءة لعب به في المسجد وأسند إلى قوم من الصحابة والتابعين أنهم لعبوا بها قال ابن العربي ما مسها يد تقي قط والأصح أن مالكا معنى فى المنع وقد ثبت قوله ﵇ ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليه كآكل لحم الخنزير فلهذا المنقول الظاهر أنكر الإمام الباهر على المخالف المجاهر والله أعلم بحقائق السرائر قال الكردري فان قلت ما وجه الإنكار على نافع فيما يرويه عن مولاه مع ان ظاهر القرآن يوافقه وهو قوله تعالى ﴿أتاتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم﴾ وقد ثبت القول به عن نافع عن ابن عمر فان كل فرقة فسروا أنى في قوله تعالى ﴿فأتوا حرثكم أنى شئتم﴾ بمعنى أين وقالوا قال به سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون من المالكية وذكر ابن العربي أن سفيان ذكر في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن جوازه عن كثير من الصحابة والتابعين وقال أيضًا بوجود اللواطة في الجنة كثير من المحققين من علماء الحنفية فدل على أنه لا إنكار على نافع قلت كان العلامة يقول لا تهو لكم أسماء الرجال عند قوة
2 / 465
الدلائل وكشف المقال فان كتاب الله تعالى حاكم ببطلان هذا القول فان قوله تعالى ﴿فإذا تطهرن﴾ وقوله تعالى ﴿فأتوا حرثكم﴾ كل دليل قاطع على حرمة محل اللوث اللازم وكذا الأحاديث الحسان الكثيرة والصحاح شهيرة ناطقة صريحة في التحريم رواها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي وقد جمعها أبو الفرج أحمد بن الجوزي في جزء ثم حرمة اللواط عقلية ولذا سماه الله فاحشة فلا وجود لها في الجنة وقيل سمعية فلها وجود فيها وقيل يخلق الله تعالى طائفة يكون نصفها الأعلى على صفة الذكور ونصفها الأسفل على صفة الإناث والصحيح الأول انتهى
ولا يخفي بعد هذا الاستدال بأمثال هذه الأقاويل المجهولة المجعولة في تجويز اللواطة هي الفاحشة في جميع الأمم المتقدمة والمتأخرة والقبيحة في العقول السليمة وأما نقلهم عن المحققين من علماء الحنفية وجودها فى دار النعم العظيمة حاشا المحققين من هذه المقالة السقيمة على أن الطائفة المنصفة لا يلزم في جماعها اللواطة وأيضًا لا يفرق بين الذكر والأنثى إلا بالنصف الثاني فعليك الكلام بالثاني إذ من المعلوم أن أهل الجنة جرد مرد على التنزل أن لمسلك الطائفة فالطابع الجنتية لا تميل إليها في الدار الكثيفة وأيضًا كيف يحكم المحققون بوجود اللواطة في الجنة مع أن العلوم الغيبية التي لا تشتبه بالأدلة القطعية وأقلها الضنية لا بالأمور الوهمية الصادرة عن العقول الردية فنسأل الله العافية من الخطاء في الأمور الدينية والآخروية وأما نقلهم عن نافع فان النسأي روى عن أبي النضر قال لنافع قد أكثر عليك القول أنك تقول به عن مولاك قال كذبوا عليّ الحديث
وذكر الدارمي في = مسنده عن سعيد بن يسار قال قلت لإبن عمر ما تقول
2 / 466
فى الجواري حين حمض بهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك أحد من المسلمين وقد ذكر بعض أصحابنا فيما أجاب به المعدل الذى هجا الإمام مذفران سالما روى عن ابن عمر خلافه فقال شعر … أن كنت ذا كذب على أشياخنا … متنقصا لأبي حنيفة أو زفر
فعليك إثم الشيخ أعني مالكا … في قوله وطي الحلائل في الدبر
هذا مقال قد رووا عن سالم … تكذيب ناقله وتزوير الخبر … وذكر الإمام الأندلسي وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون ذلك عنه فنفر عن ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل وقال كذبوا علي ألستم قوما عربا أو يكون الحرث إلا موضع النبت قال ثعلب شعر … إنما الأرحام أرضون محترف … فعلينا الزرع وعلى الله الإنبات …
أقول ولا يبعد الجمع بين نفي القول المذكور وإثباته أن محل الثاني إذا كانت المرأة حائضا كما نقل شيخ مشايخنا السيوطي في الدر المنثور روايات كثيرة عن بعض السلف والله سبحانه أعلم
وذكر الديلمي بإسناده إلى القاسم بن عدي العجلي قيل للإمام كيف اخترت حمادا قال بتوفيق الله تعالى وتأملت في العلوم فقلت الكلام عاقبته سوء ونفعه قليل إن تبحر فيه لا يقدر على الكلام جهارا ويرمي بالهوى وعاقبة الأدب مجالسة الصبيان وعاقبة الشعر التكدي بالمدح وقول الجفاء والخناء وتمزيق الدين وعلم القراءة بعد جمع الكثير منه في العمر الطويل مجالسة الأحداث وربما يرمي بسؤ الحفظ فيلزمه ذلك وعلم الفقه أولى لمجالسة المشائخ
2 / 467
والتخلق بأخلاقهم ولا يستقيم أداء التكاليف إلا به وحصول نجح الدارين متعلق بكسبه ولو نزلت نازلة في الحي احتاجوا إليك بسببه فإن يجدوا عندك جوابا قالوا سلوا مشائخك فان أردت الدنيا نلت به وان تخليت للعبادة فلم يقدر أحد أن يقول تعبد بلا علم
وبه إلى يحيى بن شيبان قال قال الإمام كنت أعطيت جدلا في الكلام وأصحاب الأهواء في البصرة كثيرة فدخلتها نيف وعشرين مرة وربما قمت بها سنة أو أكثر ظنا أن علم الكلام أجل العلوم فلما مضى مدة عمري تفكرت وقلت السلف كانوا أعلم بالحقائق ولم ينتصبوا مجادلين بل أمسكوا عنه وخاضوا في علم الشرائع ورغبوا فيه وتعلموا وعلموا وتناظروا عليه فتركت الكلام واشتغلت بالفقه ورأيت المشتغلين بالكلام ليس سيماهم سيماء الصالحين قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون بمخالفة الكتاب والسنة ولو كان خيرا لاشتغل به السلف الصالحون هذا
وحكاية روياه مشهورة أنه ينبش قبر النبي ﷺ ويولف العظام الكرام يوضع بعضها في موضع مناسب للمقام وتعبير ابن سيرين لها أن صاحبها رجل يحيي الله به سنة أميتت فيما بين الأنام
فصل في اعتقاده
ذكر الغزنوي عن يحيى بن نصر والديلمي عن نوح بن أبي مريم الجامع قالا سألناه عن السنة والجماعة قال تفضيل الشيخين ومحبة الختنين والإيمان بالقدر خيره وشره والمسح على الخفين وتحليل النبيذ للتقوى على طاعة الله لا السكر وعدم التكفير لأحد بذنب عدم التكلم فى الله بشيئ قال سعد بن معاذ جمع الإمام في هذه الأحرف
2 / 468
السبعة مذهب أهل السنة والجماعة
فاعلم أنه روى عبد الرحمن بن المثنى أن الإمام كان يفضل الشيخين ثم يقول علي وعثمان ثم من كان له سابقة وهو أنقى فهو أفضل وكان لا يقول في الصحابة إلا خيرا وكان يقول مقام أحدهم مع النبي ﷺ ساعة أفضل من عبادتنا طول عمرنا
ثم اعلم أن بعض المتكلين قالوا نمسك عن تفضيل الصحابة بعضهم على بعض والجمهور على خلافه ولكن اختلفوا فقال أكثرهم الصديق أفضلهم وقال الخطابية الفاروق أفضلهم وقال الرواندية العباس أفضلهم وقال الرافضة علي أفضلهم واتفق أهل السنة على تقديم الشيخين ووافقهم أيضًا فيه المعتزلة ثم اختلفوا فقال أقلهم وهو رواية عن الإمام ثم علي ثم عثمان وقال أكثرهم ثم عثمان ثم علي وهو الأصح من مذهب الإمام كما يعرف من كتاب الفقه الأكبر ونصائحه ثم تمام العشرة المبشرة بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أصحاب بيعة الرضوان وزعم طائفة منهم ابن عبد البران من توفي من الصحابة الكرام حال حياته أفضل ممن بقي بعد مماته ﵇ وهذا إطلاق غير مرضي عند العلماء الأعلام
ثم اختلف العلماء في التفضيل المذكور أقطعي أم ظني فذكر الأشعري أنه قطعي وذكر الباقلاني أنه ظني ثم اختلفوا أن التفضيل بحسب الظاهر فقط أم بحسب الظاهر والباطن كذا ذكره الكردري والقول بكونه قطعيا بعيد جدًا اللهم إلا أن يقال في حق الصديق فإنه إلى التحقيق حقيق وأما القول بأنه بحسب الظاهر والباطن فأبعد والله ولي التوفيق
ثم في قوله ومحبة الختنين إشارة إلى أن محبتهما كافية فى كون حليهما من
2 / 469