Virtues of Fasting and the Night Prayer of Tarawih
فضائل الصيام وقيام صلاة التراويح
ناشر
مطبعة سفير
محل انتشار
الرياض
ژانرها
فضائل الصيام وقيام رمضان
مفهوم، وفوائد، وفضائل، وخصائص
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي وهف القحطاني
صفحه نامشخص
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة، في «فضائل الصيام» بيّنت فيها: مفهوم الصيام: لغة، وشرعًا، وفضائل الصيام وخصائصه، وفوائد الصيام ومنافعه، وفضائل شهر رمضان: صيامه، وقيامه، وخصائصه، وكل ذلك بالأدلة.
1 / 3
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كلَّ من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقة، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
حرر عشية الخميس، الموافق ٢٦/ ٥/١٤٢٧هـ.
1 / 4
مفهوم الصيام
أولًا: مفهوم الصيام: لغة وشرعًا:
١ - الصوم والصيام لغة: الإمساك (١)، يقال: صام النهار إذ وقف سير الشمس، قال الله تعالى إخبارًا عن مريم: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ (٢) أي: صمتًا؛ لأنه إمساك عن الكلام، ويفسره قوله تعالى: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ (٣).
وقال الشاعر النابغة الذبياني:
خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ العَجَاجِ وأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا
_________
(١) قال ابن منظور في لسان العرب ١٢/ ٣٥٠: «الصوم: ترك الطعام، والشراب، والكلام: صام يصوم صومًا وصيامًا، واصطام ... والصوم في اللغة: الإمساك عن الشيء، والترك له، وقيل للصائم: صائم؛ لإمساكه عن المطعم والمشرب، والمنكح، وقيل للصامت: صائم لإمساكه عن الكلام، وقيل للفرس: صائم؛ لإمساكه عن العلف مع قيامه ... قال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سير فهو صائم».
(٢) سورة مريم، الآية:٢٦.
(٣) سورة مريم، الآية:٢٦.
1 / 5
يعني بالخيل الصائمة: القائمة بلا اعتلاف، وقيل: مفهوم الصيام
الممسكة عن الصهيل (١).
والصيام: مصدر صام يصوم صومًا وصيامًا (٢).
٢ - الصوم شرعًا: قيل: «هو عبارة عن إمساك مخصوص: وهو الإمساك عن الأكل، والشرب، والجماع من الصبح إلى المغرب مع النية» (٣).
وقيل: هو عبارة عن إمساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص (٤).
وقيل: «هو عبارة: عن إمساك مخصوص، في وقت مخصوص، على وجه مخصوص» (٥).
_________
(١) لسان العرب، لابن منظور، ١٢/ ٣٥١، والمصباح المنير، ١/ ٣٥٢، والمغني لابن قدامة، ٤/ ٣٢٣.
(٢) لسان العرب، ١٢/ ٣٥٠.
(٣) التعريفات للجرجاني، ص١٧٧، والمصباح المنير، للفيُّومي، ١/ ٣٥٢.
(٤) المغني لابن قدامة، ٤/ ٣٢٣، والشرح الكبير، ٧/ ٣٢٣.
(٥) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوى ٧/ ٣٢٣.
1 / 6
مفهوم الصيام
وقيل: «هو الإمساك عن المفطر على وجه
مخصوص» (١).
وقيل: «إمساك بنية عن أشياء مخصوصة، في زمن معيَّن، من شخص مخصوص» (٢).
وقيل: «هو: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع في النهار على الوجه
المشروع» (٣) (٤).
والمختار في تعريف الصيام شرعًا: أن يُقال:
«هو التعبد لله تعالى بالإمساك بنية: عن الأكل،
_________
(١) الموسوعة الفقهية، ٢٨/ ٧.
(٢) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، ٣/ ٣٤٦، ومنتهى الإرادات لمحمد بن أحمد الفتوحى، ٢/ ٥، والإقناع لطالب الانتفاع، للحجَّاوي، ١/ ٤٨٥.
(٣) كتاب الصيام من شرح العمدة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ١/ ٢٤.
(٤) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ويتبع ذلك الإمساك عن: الرفث، والجهل، وغيرهما من الكلام المحرم، والمكروه؛ فإن الإمساك عن هذه الأشياء في زمن الصوم أوكد منه في غير زمن الصوم ...» [كتاب الصيام من شرح العمدة، لابن تيمية، ١/ ٢٤].
1 / 7
والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة» (١).
ثانيًا: فضائل الصيام وخصائصه
الصيام له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي:
١ - الصيام من الأعمال التي يُعِدُّ اللهُ بها المغفرة والأجر العظيم؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فضائل الصيام وخصائصه
فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
_________
(١) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٦/ ٣١٠، والإلمام بشيء من أحكام الصيام، لعبد العزيز بن عبد الله الراجحي، ص٧.
1 / 8
فضائل الصيام وخصائصه
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (١).
٢ - الصيام خير للمسلم لو كان يعلم؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾ (٢).
٣ - الصيام سبب من أسباب التقوى؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ (٣).
٤ - الصوم جنة، يستجنُّ بها العبد المسلم من النار؛ لحديث جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «قال ربنا ﷿: الصيامُ جنةٌ يستجنُّ بها العبدُ من النار (٤)، وهو لي وأنا أجزي به» (٥).
_________
(١) سورة الأحزاب، الآية ٣٥.
(٢) سورة البقرة، الآية ١٨٤.
(٣) سورة البقرة الآية ١٨٣.
(٤) الصوم جُنَّةٌ: أي يقي صاحبه من النار، والجنة: الوقاية. [النهاية في غريب الحديث باب الجيم مع النون، مادة جنن، ١/ ٣٠٨].
(٥) أخرجه أحمد، ٢٣/ ٣٣، برقم ١٤٦٦٩، و٢٣/ ٤١١، برقم ١٥٢٦٤، وقال محققو المسند: «حديث صحيح بطرقه وشواهده».
1 / 9
فضائل الصيام وخصائصه
وعن كعب بن عُجرة ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: «أُعيذك بالله يا كعبَ بن عُجْرَةَ من أُمراءَ يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابَهم فصدَّقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منِّي ولستُ منه، ولا يرِدُ عليَّ الحوض، ومن غَشِيَ أبوابهم أو لم يغشَ فلم يصدقهم في كذبهم ولم يُعنهم على ظلمهم فهوَ منِّي وأنا منه، وسَيَرِدُ عليَّ الحوض، يا كعبَ بنَ عُجرةَ: الصلاةُ برهانٌ، والصومُ جنّةٌ حصينةٌ، والصدقةُ تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، يا كعبَ بنَ عُجرةَ، إنه لا يدخل الجنة لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ، النارُ أولى به، يا كعبَ بنَ عُجرةَ، الناسُ غاديان: فمبتاعٌ نَفْسَه فمُعْتقها، وبائعٌ نَفْسَه فمُوبِقُها» (١).
_________
(١) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ذكر فضل الصلاة، برقم ٦١٤، وأحمد ٢٢/ ٣٣٢، برقم ١٤٤٤١، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٣٣٦، والحديث فيه: التحذير من إمرة السفهاء، والتحذير من تصديقهم، وإعانتهم على ظلمهم، فليراجع هناك.
1 / 10
وعن عثمان بن أبي العاص ﵁ قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الصيامُ جُنَّةٌ كجُنَّةِ أحدكم من القتال» قال: وكان آخر ما عَهِدَ إليَّ رسول الله ﷺ حين بعثني إلى الطائف قال: «يا عثمان تجوَّز في الصلاة؛ فإن في فضائل الصيام وخصائصه
القوم الكبير وذا الحاجة»، وفي لفظ: «الصيام جُنَّةٌ من النار كجُنَّةِ أحدكم من القتال» (١).
٥ - الصيام حِصْنٌ حصين من النار؛ لحديث أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: «الصيام جُنَّةٌ وحِصْنٌ حَصِينٌ من النار» (٢).
٦ - الصيام جُنّةٌ من الشهوات؛ لحديث عبد الله بن مسعود ﵁، قال: لقد قال لنا رسول الله ﷺ: «يا معشر (٣)
_________
(١) أحمد ٢٦/ ٢٠٢، برقم ٦٢٧٣، و٢٦/ ٢٠٥، برقم ١٦٢٧٨، و٢٩/ ٤٣٣، برقم ١٧٩٠٢، وصحح إسناده محققو مسند الإمام أحمد.
(٢) أحمد ١٥/ ١٢٣، برقم ٩٢٢٥، وصحح إسناده محققو المسند، ١٥/ ١٢٣، وحسنه المنذري، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٥٧٨: «حسن لغيره».
(٣) يا معشر: المعشر هم جماعة يشملهم وصف ما، والشباب، أصله: الحركة، والنشاط، وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين، وقيل: إلى اثنتين وثلاثين، [فتح الباري لابن حجر، ٩/ ١٠٨].
1 / 11
الشباب من استطاع منكم الباءة (١) فليتزوج؛ فإنه أغض فضائل الصيام وخصائصه
للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ» (٢) (٣).
٧ - صيام يوم في سبيل الله يباعد الله النار عن وجه صاحبه سبعين سنة؛ لحديث أبي سعيد الخدري ﵁، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من صام يومًا في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفًا» (٤).
_________
(١) الباءة: مؤنة التزويج، وقيل: يحمل على المعنى الأعم: القدرة على الوطء، ومؤنة التزويج. [فتح الباري، ٩/ ١٠٩].
(٢) وجاء: الوجاء: رضُّ الخصيتين، وقيل: رضُّ عروقهما، ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه: أن الصوم قامع للشهوة، [فتح الباري ٤/ ١١٩].
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العُزبة، برقم ١٩٠٥، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤنة بالصوم، برقم ١٤٠٠.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الصوم في سبيل الله، برقم ٢٨٤٠، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق، برقم ١١٥٣.
1 / 12
٨ - صيام يوم في سبيل الله يبعد صاحبه عن النار كما بين السماء والأرض، لحديث أبي أمامة الباهلي ﵁، عن النبي فضائل الصيام وخصائصه
ﷺ قال: «من صامَ يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض» (١).
وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في قوله ﷺ: «من صام يومًا في سبيل الله»، «أي: في طاعة الله، يعني: قاصدًا به وجه الله تعالى، وقد قيل عنه: إنه الجهاد في سبيل الله» (٢)، وقال الإمام النووي ﵀: «فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقًا، ولا يختل به قتاله ولا غيره من
_________
(١) الترمذي، كتاب فضائل، الجهاد، باب فضل الصوم في سبيل الله، برقم ١٦٢٤، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ٢٢٣: «حسن صحيح»، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم ٥٦٣.
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٣/ ٢١٧.
1 / 13
مهمات غزوه، ومعناه: المباعدة عن النار، والمعافاة منها، والخريف السنة، والمراد به سبعين سنة» (١)، وسمعت فضائل الصيام وخصائصه
شيخنا ابن باز ﵀ يقول: «وهذا الحديث حمله قوم على الجهاد، وهو ظاهر كلام المؤلف، إذا لم يشق عليهم، وقال قوم: هذا الحديث في سبيل الله: أي في طاعة الله» (٢).
٩ - الصوم وصية النبي ﷺ، ولا مثل له، ولا عدل؛ لحديث أبي أمامة ﵁، قال: قلت: يا رسول الله: مُرني بأمر ينفعني الله به، قال: «عليك بالصوم فإنه لا مِثْلَ له»، وفي لفظ: أن أبا أمامة سأل رسول الله ﷺ: أي العمل أفضل؟ قال: «عليك بالصوم فإنه لا عدل له»، وفي رواية أنه ﵁ قال: قلت: يا رسول الله مُرْني بعملٍ، قال: «عليك بالصوم فإنه لا عِدْل له»، قلت: يا رسول الله مرني بعملٍ، قال: «عليك بالصوم فإنه لا عدل له» (٣)، وفي لفظ ابن
_________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٢٨١،وانظر: فتح الباري لابن حجر،٦/ ٤٨.
(٢) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ٢٨٤٠.
(٣) أخرجه النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصيام، برقم ٢٢٢٠، ٢٢٢١، ٢٢٢٢، ٢٢٢٣، وصححه الألباني في صحيح النسائي بجميع رواياته، ٢/ ١٢٢، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٩٣٧، وفي صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٥٨٠.
1 / 14
فضائل الصيام وخصائصه
حبان في صحيحه: قال أبو أمامة: أنشأ رسول الله ﷺ جيشًا، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله لي بالشهادة، قال: «اللهم سلِّمهم وغنِّمهم»، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات، قال: ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعوَ لي بالشهادة، فقلت: «اللهم سلِّمهم وغنِّمهم»، فسلمنا وغنمنا، يا رسول الله، فمرني بعَمَلٍ أدخلُ به الجنة، فقال: «عليك بالصوم؛ فإنه لا مِثْلَ لهُ»، فكان أبو أمامة لا يُرَى في بيته الدُّخانُ نهارًا، إلا إذا نزل بهم ضيفٌ، فإذا رأوا الدخان نهارًا، عرفوا أنه قد اعتراهم ضيفٌ» (١).
_________
(١) صحيح ابن حبان، كتاب الصوم، باب ذكر البيان بأن الصوم لا يعدله شيء من الطاعات، برقم ٣٤٢٥، وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم»، وهو عند أحمد، ٥/ ٢٥٥، والطبراني برقم ٤٧٦٣، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٥٨٠.
1 / 15
١٠ - الصوم يدخل الجنة من باب الريان، لحديث سهل بن سعد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن في الجنة فضائل الصيام وخصائصه
بابًا يُقالُ له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؛ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرُهم، فإذا دخل آخرهم أُغلق فلم يدخل منه أحد» (١)، وفي رواية: «في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمَّى الريان لا يدخله إلا الصائمون» (٢).
وعن أبي هريرة ﵁: أن رسول الله ﷺ قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نُوديَ من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الريَّان، ومن
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، برقم ١٨٩٦، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، برقم ١١٥٢.
(٢) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة أبواب الجنة، برقم ٣٢٥٧.
1 / 16
كان من أهل الصدقة دُعيَ من باب الصدقة»، فقال أبو بكر ﵁: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله؛ ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعَى أحدٌ من تلك فضائل الصيام وخصائصه
الأبواب كلِّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» (١)، وفي لفظ للبخاري: «من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة: كلُّ خزنةِ بابٍ: أي فُل، هَلُمَّ ...» (٢) وفي لفظ للبخاري أيضًا: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله ...» (٣).
١١ - الصيام من أول الخصال التي تُدْخِلُ الجنةَ؛ لحديث أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ:
«من أصبح اليوم منكم صائمًا؟»،قال أبو بكر: أنا. قال:
«فمن اتَّبع منكم اليوم جنازة؟»،قال أبو بكر: أنا. قال:
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الصيام، باب الريَّان للصائمين، برقم ١٨٩٦، ومسلم، كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر، برقم ٥٨ - (١٠٢٧).
(٢) البخاري برقم ٢٨٤١.
(٣) البخاري برقم ٣٦٦٦.
1 / 17
«فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟»،ال أبو بكر: أنا. قال:
«فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟»، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول فضائل الصيام وخصائصه
الله ﷺ: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل
الجنة» (١). ولفظ البخاري في الأدب المفرد: «ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة» (٢).
١٢ - الصيام كفارة للذنوب؛ لحديث حذيفة ﵁، عن النبي ﷺ: «فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، تكفِّرها: الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر، والنهي»، وفي لفظ: «والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (٣)،وهذا من نعم الله تعالى العظيمة أن يكفر ما يقع من المسلم من الزلل
_________
(١) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل من ضمَّ إلى الصدقة غيرها من أنواع البر، برقم ١٠٢٨.
(٢) البخاري في الأدب المفرد، برقم ٥١٥،وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص١٩٥.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة كفارة، برقم ٥٢٥، وكتاب الزكاة، بابٌ: الصدقة تكفر الخطيئة، برقم ١٤٣٥، وكتاب الصوم، بابٌ: الصوم كفَّارة، برقم ١٨٩٥، ومسلم، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب، برقم ١٤٤.
1 / 18
مع أهله، وولده وماله، وجيرانه، بالصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضائل الصيام وخصائصه
فينبغي للمسلم أن يكثر من هذه الخصال، وهذا في الصغائر، أما الكبائر فلا بد فيها على الصحيح من التوبة بشروطها (١).
١٣ - يوفَّى الصائمون أجرهم بغير حساب
١٤ - للصائم فرحتان: فرحة في الدنيا، وفرحة في الآخرة
١٥ - خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وقد دلَّ على هذه الفضائل الثلاث حديث أبي هريرة ﵁: قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله تعالى: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة (٢)، وإذا كان يومُ صَوْمِ أحدِكم فلا
_________
(١) انظر: فتح الباري، لابن حجر ٦/ ٦٠٥، وسمعت نحو هذا من سماحة شيخنا ابن باز، أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ١٤٣٥.
(٢) الصيام جنة: أي وقاية من النار، وعند أحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح: «الصيام جنة ما لم يخرقها»، زاد الدارمي: «بالغيبة»، فتح الباري، لابن حجر
(٤/ ١٠٤)، واختار الإمام النووي: أن معنى الصوم جنة: ستر من الإثم، وستر من النار، وستر من الرفث. [شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٢٧٩].
1 / 19
فضائل الصيام وخصائصه
يرفث (١) ولا يصخب (٢)، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتله (٣)
فليقل: إنِّي امرؤٌ صائمٌ، والذي نفسُ محمد بيده! لخلوفُ فم الصائم (٤) أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومه»، وفي لفظ للبخاري: «الصيام جُنَّة، فلا يرفث،
_________
(١) الرَّفَث: الكلام الفاحش، وهو يطلق على هذا وعلى الجماع، وعلى مقدماته، وعلى ذكره مع النساء، أو مطلقًا: أي ذكره مع النساء وغيرهن. [فتح الباري لابن
حجر،٤/ ١٠٤].
(٢) ولا يصخب: الصخب والسخب: الخصام والصياح، والمراد بالنهي هنا
تأكيده حالة الصوم، وإلا فغير الصائم منهي عن ذلك أيضًا. [فتح الباري لابن حجر،
٤/ ١١٨].
(٣) سابّه أحد: أي شتمه، أو قاتله: أي تهيأ لمقاتلته؛ فإنه إذا قال: إني صائم أمكن أن يكف عنه، فإن أصر دفعه بالأخف فالأحفِّ: كالصائل. [فتح الباري لابن حجر،
٤/ ١٠٥].
(٤) خلوف فم الصائم: تغير رائحته بسبب الصيام. [فتح الباري لابن حجر،
٤/ ١٠٥].
1 / 20
ولا يجهل (١) فضائل الصيام وخصائصه
وإن امرُؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم - مرتين - والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلى، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»، وفي لفظ لمسلم: «كلُّ عملِ ابن آدم يُضاعف له: الحسنةُ عشرُ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله ﷿: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك»، وفي لفظ لمسلم: «... وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» (٢) (٣).
_________
(١) ولا يجهل: أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل: كالصياح، والسفه، ونحو ذلك، ولا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم. [فتح الباري لابن حجر، ٤/ ١٠٤].
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، برقم ١٨٩٤، وباب هل يقول: إني صائم إذ اشتم، برقم ١٩٠٤، ومسلم، كتاب الصيام، باب حفظ اللسان للصائم برقم ١١٥١، وباب فضل الصيام برقم ١٦٤ - (١١٥١).
(٣) وهذا الحديث يستفاد منه فوائد، منها:
أولًا: أن الصيام لله تعالى، وهو الذي يجازي عليه، والأعمال الصالحة لله تعالى، ولكن الصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فلا يدخله الرياء بالفعل، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يخبر بأنه صائم؛ ولهذا: الصيام سرٌّ بين العبد وربه.
ثانيًا: الصوم صبر على آلام الجوع والعطش، والصابرون يوفَّون أجرهم بغير حساب؛ ولأن الصوم يتضمن كسر النفس.
ثالثًا: محبة الله تعالى للصيام؛ ولهذا خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك.
رابعًا: الصيام سبب للسعادة في الدنيا والآخرة؛ لأن الصائم يدخل عليه السرور عند فطره، وذلك بفرحه بنعمة الله عليه بأن أتم عليه صيامه، وأعانه عليه، ويدخل فيه فرحه بزوال جوعه وعطشه، وكل على حسب حاله، فمنهم من يفرح الفرح المباح بزوال الجوع، ومنهم من يفرح الفرح المستحب بإتمام الصوم والإعانة عليه، ومنهم من يفرح بذلك كله. أما الفرح بالصوم في الآخرة عند لقاء الله تعالى، فهو فرح بما يراه من جزاء الله تعالى وثوابه، وتذكر نعمة الله عليه بتوفيقه لذلك [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٢٧٧ - ٢٨٠، وفتح الباري لابن حجر، ٤/ ١٠٧ - ١١٠، ٧/ ١١٨].
1 / 21