ودهش رجال السياسة المحنكون مما كان يبدو على الملكة من دلائل الذكاء والحزم مع الوقار والدعة، فقالوا إن في نفسها جوهرا مكنونا تظهره الأيام وتجلوه التجارب. ومرت الأيام وهي تلتفت إلى كل أمر من الأمور، وتقوم الساعة الثامنة صباحا وتأكل الغداء في غرفتها ثم تقرأ المراسلات السياسية، وتنظر في مهام المملكة المعروضة عليها إلى الساعة الحادية عشرة فيأتيها الوزير ملبرن حينئذ وينظر معها في الأشغال إلى الساعة الثانية بعد الظهر فتركب جوادها، وتخرج بموكب كبير والوزير ملبرن معها وتبقى في النزهة ساعتين وتعود الساعة الرابعة وتقيم إلى الساعة السابعة تتسلى بالموسيقى والغناء والرياضة، وتجلس للعشاء الساعة الثامنة فيتقدمها رجال بلاطها وتتلوها أمها والسيدات اللواتي عندها، وتأخذ بيد أعلى الحضور مقاما وتدخل غرفة المائدة وتجلس في صدرها ولورد ملبرن عن يسارها، ثم تقابل الحضور بعد العشاء في غرفة الاستقبال وتكلم كلا منهم، وتقيم معهم إلى الساعة الحادية عشرة وتنام بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة، وجرت على ذلك أكثر أيام حياتها.
شكل 4-1: قصر بكنهام.
وبعد ستة أيام من المناداة بها ملكة على المملكة الإنكليزية جاءها كتاب من ابن خالها البرنس ألبرت يقول فيه: «الآن أنت ملكة على أقوى مملكة في أوروبا، وفي يديك سعادة ملايين من الناس، أسأل الله أن يعضدك ويقويك بقوته لكي تقومي بمهام الملك، وأرجو أن تكون سنو ملكك طويلة سعيدة مجيدة، وأن تجازي على سعيك بشكر شعبك وحبهم لك.»
وكان مجلس الوزراء قد رفع إليها ختوم مناصبه بعد اجتماع المجلس الخاص على جاري العادة فردتها إليه؛ أي إنها ثبتت الوزراء في مناصبهم.
وبقيت في قصر كنسنتون مع أمها، ولكنها أقامت في قسم خاص منه لكي لا يقال إن أمها تتعرض لشئون الملك، وبقيت البارونة لهزن معها دائما لا تفارقها إلا حينما يأتي الوزراء ليعرضوا عليها مهام الملكة، وكانت تنظر في كل المسائل بالتروي ولا تبت حكما قبل إعمال النظر فيه، وكان اللورد ملبرن كبير الوزراء حينئذ قد اختار لها النساء اللواتي يقمن على خدمتها فلم تعارضه في ذلك، ولكنها اختارت أيضا مربيتها البارونة لهزن؛ لتكون كاتمة لأسرارها، ومعلمتها مس دافس لتكون من خادمات الشرف، وجعلت أباها الدكتور دافس مطرانا على بتربرو، وكانت تحكم في بيتها بسلطة ووداعة، قيل إن خادمة من خادمات الشرف تأخرت عن الحضور ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة رأت الملكة قائمة في انتظارها وساعتها في يدها، فانتبهت لذلك وقالت لعلي تأخرت عن جلالتك. فقالت الملكة: نعم، عشر دقائق. فاحمرت هذه خجلا وجعلت يداها ترجفان جزعا، ورأت الملكة منها ذلك فرأفت عليها وساعدتها في إصلاح ردائها وهي تقول: سنصطلح كلنا إن شاء الله ونقوم بواجباتنا.
وفي الثالث عشر من يوليو (تموز) انتقلت بحاشيتها إلى قصر بكنهام المرسوم [في شكل
4-1 ] وهو في مدينة لندن يحيط به جنات يانعة مساحتها خمسون فدانا فيها بحيرة مساحتها عشرة أفدنة وجعلت بلاطها فيه، وفي السابع عشر من الشهر ذهبت بنفسها إلى البرلمنت وحلته وجرت الانتخابات العمومية لمجلس النواب في شهر أغسطس (آب) وكانت ميالة إلى حزب الأحرار؛ لأن أباها كان ميالا إليه.
وفي تلك الأثناء حوكم أحد الجنود في مجلس حربي وحكم عليه بالقتل، فجاءها دوق ولنتون بالحكم لكي تؤيده فارتاعت من ذلك، وقالت له والدموع ملء عينيها: «ألم يفعل هذا الرجل شيئا يستحق الرأفة!» فقال: كلا؛ فإنه هرب من الجيش ثلاثا. فقالت فكر أيضا. فقال: يا مولاتي، إن هذا الرجل لا يصلح للجندية ولكنني سمعت واحدا يقول إنه حسن السيرة، فلا يبعد أن تكون سيرته حسنة في بيته. فتنهدت وقالت: الحمد لله وكتبت يعفى عنه. ولما رأت البرلمنت رقة قلبها عفاها من تأييد أحكام القتل.
وفتحت البرلمنت الأول في 20 نوفمبر (ت2) فجعل راتبها 385000 جنيه في السنة، وراتب أمها 30000 جنيه، وأخذت البلاد تستعد للاحتفال بتتويجها.
الفصل الخامس
صفحه نامشخص