وكان يعلم علم اليقين أن مركزه سيكون حرجا جدا بعد اقترانه بالملكة؛ لأن مقامه الزوجي أعلى من مقامها ولكن الشعب الإنكليزي لا يرضى إلا أن يبقى مثل واحد من رعيتها، أما هو فساد بيته كما يحق للرجل الفاضل الحكيم بالصبر والرزانة والدعة، وساعده على ذلك تعقل الملكة وحسن نظرها في العواقب، والفضل كل الفضل للحب المشترك الذي ساد عليهما كليهما وقادهما في سبيل الوفاق والوئام، وأبعد عنهما كل أسباب الجفاء والخلاف.
ويقال إنه لما جرى الاحتفال بقرانهما سألها الأسقف عما إذا كانت تبيح له قراءة فصل من الكتاب المقدس تؤمر فيها المرأة بطاعة زوجها وهو يقرأ عادة في صلاة الزواج، فقالت: «إنني أقترن كامرأة لا كملكة فلا تحذف شيئا من قول الكتاب.» وهو جواب حكمة وسداد لا يصعب على من تقوله في مثل ذلك الموقف أن تعيش مع زوجها كزوجة لا كملكة، وقد عاشت كذلك كما سيجيء.
ودعت أعضاء مجلسها الخاص إلى قصر بكنهام وأخبرتهم بما تم من أمر الخطبة، وهذه ترجمة ما تلته عليهم حيئنذ:
جمعتكم الآن لكي أخبركم بما عزمت عليه في أمر له ارتباط شديد بخير شعبي وبسعادة نفسي، فقد عزمت أن أقترن بالبرنس ألبرت السكسكوتي، وعلمت أن الأمر هام جدا؛ ولذلك لم أقدم عليه إلا بعد التبصر الطويل وبعد أن تحققت أنه يدعو إلى راحتي البيتية ويخدم مصالح بلادي ببركة الله القدير، وقد رأيت أن أطلعكم على ذلك في أول فرصة لكي تعلموا هذا الأمر الهام لي ولمملكتي، والذي أشعر من نفسي أنه مقبول جدا لدى رعيتي المحبوبة.
وكتبت في يوميتها حينئذ تقول في الساعة الثانية تماما دخلت المجلس وكان غاصا بالحضور، وأنا لا أعلم من هم وشاهدت اللورد ملبرن بينهم وعيناه مغرورقتان بالدموع فتلوت عليهم الخبر ويداي ترتجفان، وفرحت لما أتيت على آخره ثم قام اللورد لنسدون (رئيس المجلس الخاص) وطلب مني باسم المجلس أن أسمح بطبع هذا الخبر ونشره.
وفرح الشعب الإنكليزي بذلك فرحا عظيما؛ لأنهم كانوا يخشون أن تعيش ملكتهم عزبة كالملكة أليصابات الشهيرة فنموت بلا عقب ويخلفها ملك هنوفر لأنه كان الوريث الوحيد لها ولم يكن محبوبا لدى الشعب الإنكليزي.
ولما اجتمع البرلمنت بعد ذلك (في 16 يناير) أتته الملكة نفسها، وأعلنت فيه خطبتها فهنأها أعضاؤه جميعا، واقترح لورد ملبرن أن يجعل راتب البرنس ألبرت خطيبها خمسين ألف جنيه في السنة، فلم يقر البرلمنت إلا على ثلاثين ألف جنيه، وعين له الوزير ملبرن سكرتيرا ليكون معه ويطلع على كل أموره، وهو سكرتير اللورد ملبرن الخاص فغاظه ذلك أولا ولا سيما لأنه كان يكره الانحياز إلى حزب من الأحزاب، ولكنه عاد فرأى ذلك السكرتير موضع ثقة فسر به واعتمد عليه.
وعين يوم الزواج، وكان البرنس ألبرت قد عاد إلى بلاده فأتى منها مع أبيه وأخيه وقوبل باحتفال عظيم ودخل في الرعوية الإنكليزية، وزار أعضاء العائلة المالكة ولقي منهم كل أنس ووداد.
وجرى الاحتفال بصلاة الإكليل ظهيرة العاشر من شهر فبراير سنة 1840 في كنيسة قصر سنت جمس، وتقاطر الناس لمشاهدة موكب الزفاف في ذهابه إلى الكنيسة وإيابه منها، وقام رئيس أساقفة كنتربري بصلاة الإكليل وعاد الموكب إلى قصر بكنهام الساعة الثانية بعد الظهر وانتظم حول المائدة الملكية، وبعد الطعام ذهبت الملكة وزوجها البرنس ألبرت إلى قصر وندزور وهو إلى الجنوب الغربي من مدينة لندن على ضفة نهر التيمس اليمنى، والقصر قديم من قبل أيام وليم الظافر، ولكنه تجدد مرارا كثيرة وأضيفت إليه مبان فخيمة وحوله رياض نضرة وغياض يكثر فيها الصيد، وترى في [شكل
6-1 ] صورة عرش الملكة في إحدى مقاصير هذا القصر.
صفحه نامشخص