اساسهای فرهنگی ملل: سلسلهمراتب، پیمان و جمهور
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
ژانرها
14
لم تختف تماما هذه الأنواع الهرمية والمحافظة، حتى في مناخ التدهور ما بعد الإمبراطوري والجمهورية الوشيكة. فعلى الرغم من أن الملكية نالت بغض العامة من وقت إلى آخر، فإنها نجحت إلى حد بعيد في إعادة تجديد أسلوبها، ومثلت، في أوقات الأزمات، كما في الحرب العالمية الثانية، مركز ثقل للمجتمع القومي المضطرب. وما زالت عراقتها الواضحة، ومحوريتها للثقافة الشعبية القومية، واحتفالاتها المثيرة، وتسليط الأضواء الإعلامية عليها باستمرار، تسهم في قدرتها على البقاء، إضافة إلى افتقار أي بديل منها للتأييد الجماهيري. على النقيض من الكنيسة الأنجليكانية، نجحت الملكية، على الرغم من انفصالها بثرائها وتقاليدها عن غالبية البريطانيين الكاسحة، نجاحا كبيرا في الاحتفاظ بإحساس التفرد القومي، على النقيض المدرك من جمهوريات أوروبا القارية؛ ذلك التناقض الذي ربما عززه تبجيل الشعب للبرلمان والتقليد البرلماني العريق، وكذلك تبجيلهم للعرف. تعتبر هذه المؤسسات كلها جزءا من اختلاف بريطانيا في واقع الأمر، وإنجلترا بصفة خاصة، عن دول المجتمع الأوروبي، بل تفردها، ودليلا عليه - ذلك الاختلاف الذي يمكن إرجاع بدايته إلى الانفصال عن روما في عهد الملك هنري الثامن، وتبلور في عهد الملكة إليزابيث، ولا سيما بفعل النزعة العهدية القومية البيوريتانية، وهو اختلاف يثبت المفاهيم والأشكال الهرمية داخل تقليد عهدي أنجلو-بريطاني واسع النطاق حتى يومنا الحاضر.
15 (3) الأمم العهدية الحديثة
لمثل هذا السبب، قد يسأل المرء: أين توجد الأمم العهدية في وقتنا الحاضر؟ ألم تختف مع انهيار أولستر ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؟
بالتأكيد، بدا أن كلا المجتمعين يعكسان مرحلة من التحديث والتصنيع المبكرين، شاع فيها الفصل بين القوى العاملة على أساس عنصري أو ديني عرقي. في كلا المجتمعين، انفصل عن الأغلبية مجتمع أقلية مسيطر ليؤسس دولته الخاصة التي كانت هرمية سابقا في السياق الأوسع نطاقا، وعهدية داخل كل مجتمع. في حالة أولستر، أدى انفصال المقاطعات الست عام 1921 إلى وضع أقلية كاثوليكية داخل أولستر الاتحادية، حتى حينما مثل «الاتحاديون البروتستانت» أقلية في جزيرة أيرلندا. ثم أضفي الطابع المؤسسي على حافز عهدي قوي نابع من المستوطنين البروتستانت الأصليين في التنظيم البرتقالي، وفي المسيرات السنوية التي تحيي ذكرى انتصار البروتستانت في معركة بوين عام 1690. وفي حالة جنوب أفريقيا، اعتبر هروب الكثير من الأفريكان من «مستعمرة الكيب» التي كان يسيطر عليها البريطانيون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر «خروجا» في آخر الزمان، هربا من «فرعون» ظالم، بحثا عن أراض موعودة في مرعى الفلد. بحلول أواخر القرن التاسع عشر، رافق إحياء اللغة الأفريكانية تقديس متزايد، ولا سيما في جمهورية ترانسفال التي كان رئيسها بول كروجر، للرحلة الكبرى وانتصار جيش البوير الإعجازي على شعب الزولو بقيادة دينجان في معركة «بلد ريفر» (نهر الدم) عام 1838. وبحلول عام 1938 أعاد الحزب الوطني برئاسة الدكتور مالان ترسيخ التقديس في الاحتفالات المئوية بيوم العهد (أوساواتريك)، وفي الإفريز الذي يسجل أبطال الرحلة وكبرى مناقبهم في نصب فورتراكر المهيب الموجود خارج بريتوريا، وكذلك في الاحتفالات التذكارية التي أقامها نظام الفصل العنصري القومي لاحقا.
16
إذا، كانت هذه أمثلة لأمم عهدية تتبع بروتستانتية آخر الزمان، جمعت بين رغبتها الانفصالية الأصلية النابعة من الكتاب المقدس، وبين السيطرة على أشخاص مختلفين عنها في المعتقدات الدينية أو الأصول العرقية. في حالة الولايات المتحدة، كانت هذه الرغبة المنبثقة من الكتاب المقدس متمازجة في الأصل أيضا مع عناصر هرمية واضحة في الثقافات الإقليمية القوية الموجودة سابقا في المستعمرات. إلا أنه أثناء الصراع ضد بريطانيا، وفي حين احتفظت تلك المستعمرات بحقوقها كدولة، فإنها نجحت أيضا في التوحد على أساس خرافة تأسيس مشتركة، موضحة في إعلان الاستقلال وفي الدستور، وهما نصان يجمعان بين كل من العناصر العهدية وعناصر الجمهورية-المدنية. من ناحية تزايد تهميش الولايات البروتستانتية الأنجلوسكسونية المتنوعة للشعوب الأصلية، حيث لم تبدهم، وفي الوقت نفسه مارست السيطرة والاستغلال (لا سيما في المزارع الجنوبية مالكة العبيد) على المجتمعات السكانية السوداء المجلوبة إلى أمريكا الشمالية عنوة ومن ثم عزلتهم عن مناطق البيض المسيطرين ومواردهم. من الناحية الأخرى، قدمت الثورة والجمهورية الأمريكيتان في ثوب روماني بوصفها أمة مدنية وجمهورية من الرجال (البيض) الأحرار والمتساوين، ولا شك أن «آباءها المؤسسين» استمدوا كثيرا من إلهامهم من أسلافهم الكلاسيكيين، ومن مثل التنوير أيضا.
17
في الوقت نفسه، شهدت الرؤية البروتستانتية الأصلية المقتبسة من الكتاب المقدس التي يتبعها المستوطنون الأكثر بيوريتانية إحياءات دورية، وما زالت تقود عددا كبيرا من التابعين في أجزاء مختلفة من الولايات المتحدة. وأدى هذا، أحيانا، إلى ضغوط من أجل الانعزال عن العالم الأوسع، وتركيز على فرادة التجربة الأمريكية، ورحابها الواسعة، أو، بدلا من ذلك، إلى شن «حملات صليبية إنجيلية» باسم الحرية، بوصفها زعيمة العالم الحر، ضد الشيوعية السوفييتية في بداية الأمر، ثم ضد أشكال التطرف العنيف فيما بعد. رغم ذلك، فإن الروح العهدية التي رفضت أشكال الهرمية التقليدية وفتحت الباب أمام تبني الحريات السياسية والمدنية الجمهورية ساعدت في تشكيل أمة منفتحة وتعددية ومتحمسة ملتزمة بحكم القانون والديمقراطية؛ أمة تتذبذب بين موقف نقاء عرقي أكثر انفصالية يذكرنا بعهد إسرائيل القديمة، وبين مواجهة أكثر توسعية وتبشيرية لهذا العالم «الدنس».
18
صفحه نامشخص