اساسهای فرهنگی ملل: سلسلهمراتب، پیمان و جمهور
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
ژانرها
الأمم الجمهورية
في عصر الرابع عشر من يوليو عام 1790، في ساحة مارس في باريس، أمام حشد مكون من أربعمائة ألف، وخمسين ألفا من الحرس الوطني، وممثلي كوميونة باريس، ومندوبي الإدارات، وأعضاء الجمعية الوطنية؛ بدأ تاليران مراسم القداس والمباركة على «مذبح الوطن»، وقال للحشد رافعا ذراعيه على الرايات : «غنوا ولتدمعوا دموع الفرح؛ لأنه في هذا اليوم صنعت فرنسا من جديد.» بعد ذلك، امتطى لافايت جوادا أبيض، وسار بين صفوف الحرس وطلب إذن الملك في «إلقاء القسم على مسامع الممثلين الفيدراليين المجتمعين». انتقل القسم عبر الساحة، وقابله «ترديد المحتشدين لقول «أقسم» بصوت مدو»، وتبعه وابل من القذائف المدفعية. بعد ذلك، استخدم لويس السادس عشر لقبه الجديد «ملك الفرنسيين» وقال: «أقسم أن أستخدم كل القوى الموكلة إلي بموجب الدستور في دعم قرارات الجمعية الوطنية.»
1 (1) حلف اليمين في أوروبا الغربية
يشير شاما إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يؤدى فيها مثل هذا اليمين؛ ففي 4 فبراير من ذلك العام، أقسم لويس على أن «يدافع عن الحرية الدستورية ويحافظ عليها؛ تلك الحرية التي وافقت عليها إرادة الأمة التي وافقت إرادتي.» وحتى قبل ذلك، في الخريف السابق، كان لافايت الذي ساعد في تكوين الحرس الوطني قد ترأس مراسم مشابهة لأداء اليمين. بل يمكن القول إن تلك الأيمان كانت الحافز المباشر للثورات. في 21 يونيو عام 1789، عندما منع نواب الطبقة الثالثة من دخول مكان الاجتماع المعتاد لمجلس الطبقات العامة في قصر فرساي نظرا لأعمال إعادة البناء، التجأ النواب إلى ملعب تنس قريب وأدوا اليمين متعهدين: «أمام الرب وأمام الوطن ألا نتفرق أبدا حتى نصوغ دستورا محكما وعادلا كما طالبنا الناخبون.» في تلك الأثناء، وقف النواب الستمائة كجسد واحد، ومدوا أذرعهم اليمنى على نحو مشدود، مقلدين على نحو واع الطريقة التي أقسم بها الإخوة هوراتي الرومانيون على سيف والدهم الذي علقه في الهواء متعهدين بالغزو أو الموت في سبيل الوطن، وهذا مشهد لم يكن في القصة الأصلية التي ذكرها المؤرخ تيتوس ليفيوس، لكن اخترعه جاك لوي ديفيد في رسمته الشهيرة، «قسم الإخوة هوراتي»، قبل خمس سنوات. وقد طلب من ديفيد رسم قسم ملعب التنس المذكور في وقت لاحق، لكنه لم يتمكن إلا من ترك تسجيل لهذا القسم في مخطط رائع غير مكتمل بعد ذلك بسنوات قليلة.
2
لم يكن النموذج الروماني الذي قدمه ديفيد سوى واحد من سلسلة من هذه الأيمان؛ فلقد سبقه تصوير قوي ل «قسم روتلي» رسم في الفترة ما بين 1779-1781 لمجلس مدينة زيورخ. وفي هذه الرسمة، جسد هاينريش فوسلي أول قسم لتحالف الاتحاد السويسري القديم عام 1291 في صورة ثلاثة رجال ضخام البنية. في هذه الصورة المدهشة، يجعل فوسلي ممثلي كانتونات الغابات الثلاث الأصلية أوري وشفيتس وأونترفاليدين، يؤدون قسم الحرية على سيف مرفوع في الهواء على مرج روتلي بجوار بحيرة لوسيرن التي جاءوا عبرها في قوارب يحركونها بمجاديف، كما هو موضح في رسوم فوسلي. وكما نعلم من مصادر أخرى، فإن ممثلي الكانتونات أقسموا على تكوين اتحاد دائم لمقاومة طغيان أسرة هابسبورج واستعادة حقوقهم السابقة من خلال تحرير وديانهم من القضاة الظالمين والضرائب الجائرة. في هذه الصورة، يؤدى قسم التحدي بثلاثة رجال حازمين ومفتولي العضلات مادين أذرعهم، على غرار أسلوب التكلفية الذي ابتكره مايكل أنجلو الذي كان فوسلي معجبا به للغاية أثناء إقامته الطويلة في روما.
رغم ذلك، وكما أوضح روبرت روسنبلوم في البداية، فإن هذه واحدة فقط من سلسلة من رسومات «الكلاسيكية الحديثة» التي توضح حلف اليمين وأداء القسم، تعود لفترة أسبق من لوحة «قسم بروتوس» لأنطوان بوفور التي رسمها عام 1771؛ إذ تعود إلى لوحة «قسم بروتوس» التي رسمها جافين هاميلتون عام 1764، والتي تعد على الأرجح الأولى من هذه السلسلة. في اللوحة الثانية المرسومة على قماش مسرحي كبير، يظهر بروتوس الذي سيصبح لاحقا أول قنصل للجمهورية الرومانية، وهو يقسم مع أصدقائه على الانتقام لانتحار لوكريشا من خلال طرد الطاغية تاركوينيوس الذي اغتصبها خارج المدينة. وتظهر لوكريشا نفسها على نحو واضح في الجانب الأيسر من اللوحة وهي تموت بعد أن طعنت نفسها، وفي الجانب الأيمن يؤدي الأصدقاء الثلاثة القسم على سيف بروتوس. لقد تناول الفنانون هذا الموضوع منذ عصر النهضة؛ وعلى الرغم من أن اهتمامهم الأساسي حينها، من الناحية الأدبية والفنية، انصب في الماضي على نبل تضحية لوكريشا، فلقد تحول الآن إلى العواقب السياسية لتصرفها. وهذا قدم الموضوع الجديد نسبيا المتمثل في التحرر من الطغيان ومنح دورا محوريا لمراسم حلف اليمين، وهذه حقيقة أكدتها ضخامة اللوحة القماشية وضخامة أبطال هاميلتون، بالإضافة إلى قربهم من عين المشاهد.
3
علام يدل هذا الشغف الجديد بالأيمان ومراسم حلف اليمين؟ ألا يمكن القول إنه يمثل العلاقة العهدية التي ناقشناها في الفصل السابق؛ أي إنه نسخة علمانية مما كان في الأصل ممارسة دينية؟ إن أداء اليمين والعهود كانا على أي حال من الأعراف العامة على نحو قاطع، وكانا يستخدمان لتحقيق الالتحام بين عدد كبير من الأشخاص من خلال طريقة تقديس مهيبة يشهدها الجميع. في العهد الأصلي في سيناء، عندما تلقى شعب إسرائيل الوصايا العشر من الرب عن طريق موسى قالوا: «كل الأقوال التي كلم بها الرب نفعل» (سفر الخروج 24: 3). بالمثل، وافق الملك والشعب أثناء الثورة الفرنسية على طاعة القوانين والدفاع عن حرية الأمة والوطن، وأن يخضعوا مصالحهم الشخصية للإرادة العامة.
إلا أن هذا ليس إلا جزءا من القصة. بالتأكيد، كان شكل مراسم حلف اليمين، على الأقل في السنوات الأولى من الثورة، ديني الطابع، وكان يثير التبجيل إن لم يكن الهيبة، بيد أن محتوى المراسم ومضمونها لم يعد دينيا في الأساس، وأصبح أقل تأثرا بالمسيحية على وجه التحديد، وبدأ يصبح هكذا عندما تقدمت الثورة وبدأت تؤثر على أجزاء أخرى من أوروبا. لم تعد إرادة الرب، أو أمة العهد، أو السعي للقداسة؛ هي المثل المنشودة، بل أصبح قانون الأمة والمواطنون المستقلون والمتساوون ومثل الحرية والإخاء هي مصادر إلهام أيمان الثورة التي تقود الأمة نحو التجدد القومي ونحو عصر علماني جديد. ومن هذه المثل والوقائع الجديدة نبع تدمير كل أشكال الملكية وكل الأشخاص الملكيين، والعداء المرير لرجال الدين الذي ظهر في الثورة لاحقا، ومظاهر الوحدة الشعبية الواضحة في المهرجانات الكبرى، والإسراف في العنف ضد كل المقاومين، لا سيما في فونديه، والحماس التبشيري الذي سعى إلى أن يقدم للشعوب الأخرى فوائد الوطنية والثورة.
صفحه نامشخص