اساسهای فرهنگی ملل: سلسلهمراتب، پیمان و جمهور
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
ژانرها
13
إيران ليست مفهوما عرقيا، بل اسم ذو أبعاد إقليمية وسياسية، لكن حتى في هذه الحالة فإنه ليس واضحا إلى أي مدى عكس ذلك قدرا من انتساب الذكريات والروابط العاطفية إلى إقليم محدد. في الوقت نفسه، ترجح رغبة الساسانيين في ربط حكمهم بالملوك الأسطوريين وبالأخمينيين وجود تصور لديهم عن أرض تاريخية موجودة ضمن مجموعة الأقاليم والشعوب التي غزوها. ويعد هذا أيضا نوعا من تعريف الذات الجمعي، وإن كان من جانب النخبة فحسب، ويعتبر أيضا محاولة لترسيخ الأساطير والرموز والذكريات المتعلقة بالماضي البطولي. كان بناء الأساطير والرموز والذكريات سائدا بصفة خاصة في أواخر عهد الملوك الساسانيين؛ لذلك دعم كسرى الأول (531-579) إحياء المأثورات، وكذلك كتب بروتوكول السلوك الأرستقراطي وقواعده، بالإضافة إلى توطيد البيروقراطية على حساب النبلاء العظام. يعتقد ريتشارد فراي أنه من المحتمل إلى حد بعيد أن تكون «قصائد وأساطير إيران القديمة قد جمعت معا» في أيام كسرى الأول وأن الملحمة القومية التي كتبها الفردوسي «كانت هيئتها آنذاك مشابهة إلى حد بعيد لهيئتها الحالية.» رغم ذلك، ف «الماضي الذي أحيته الملحمة، والتقاليد، والعادات ... كان ماضيا بطوليا لعائلات كبيرة ونبيلة ولممارسات إقطاعية، ولم يكن ماضيا يعكس دولة بيروقراطية مركزية كالتي أراد كسرى تأسيسها.» ومن ثم، في ذلك الوقت، أجريت تعديلات على مجموعات الأساطير القديمة على اختلافها - وكان كثير منها يعود أصله إلى شرق إيران - لتتوافق مع المثل المعاصرة كي تصبح أساسا ل «شاهنامه» (كتاب الملوك) الذي ألفه الفردوسي لاحقا.
14
وكذلك في عهد الملوك اللاحقين تزايد توحيد القوانين بالتوافق مع إقرار مركزية الدولة. إلا أن هذا الأمر، على حسب ما يمكننا أن نرى، امتد بالقدر نفسه ليشمل كل أقاليم الإمبراطورية وشعوبها، كما هي الحال مع الثقافة الدينية العامة المتمثلة في معابد النار الخاصة بالزرادشتية الأرثوذكسية بعد إصلاحات «كرتير» رئيس «الموابذة» في أواخر القرن الثالث. يبدو أن كرتير كان تبشيريا، لدرجة أنه حاول تأسيس معابد النار والزرادشتية الأرثوذكسية بين المجوس المتأثرين بالحضارة الهلينستية وبين الوثنيين خارج إيران. ورغم ذلك، يقول جوزيف فيزرهوفر إنه في عهد كرتير:
كانت إيران الساسانية متأثرة بالديانة الزرادشتية إلى درجة أكبر من أي وقت مضى في تاريخ الدولة. ويشهد على هذه الحقيقة التأثير الديني على الثقافة القانونية، والأدب، والرمزية الصورية، وكذلك تقاليد الدفن في هذه الفترة (تعريض الجسم للهواء ودفن العظام). كانت السلطات الدينية موجودة في أماكن كثيرة، من القرية ومركز العبادة المحلي وحتى البلاط الملكي، لمراقبة «الخدمة الإلهية»، وتنفيذ الطقوس والحفاظ على التقاليد الدينية.
يوضح هذا أن إيران احتلت مكانة مميزة في دين الدولة وفي الثقافة العامة الدينية للإمبراطورية، وأنه داخل إيران حظيت منطقة فارس الجنوبية الغربية بالتميز، ولو بقدر محدود، بفضل مواقعها المقدسة و«أسلاف» الساسانيين، والذكريات التي حافظ عليها رجال الديانة الزرادشتية. وعلى نحو واضح تماما، لا يمكننا التحدث عن وجود أمة أو هوية قومية في ظل حكم الساسانيين. ورغم ذلك، فمن ناحية الثقافة العامة وترسيخ الأساطير والرموز والذكريات والتقاليد الإيرانية تكون خلال هذه الفترة أساس عرقي سياسي لتطورات قومية لاحقة إلى حد بعيد في الهوية الإيرانية الجمعية في ظل القيادة الثقافية الفارسية.
15
هل يمكن قول الأمر نفسه، «مع إجراء ما يلزم من تعديلات»، عن الإمبراطورية البيزنطية؟ من الناحية الظاهرية، فإن أوضح مثال على مبدأ الهرمية كان أبعد مما يمكن تخيله عن مفهوم المجتمع القومي وممارسته، وكما يقول سيريل مانجو: «لم تكن توجد مطلقا «أمة» بيزنطية.» كان يعرف سكان بيزنطة باسم «الرومان»، وشعروا أنهم ينتمون إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية، لكنهم عرفوا أنفسهم في الأساس من الناحية الإقليمية أو العرقية، بل عرفوا أنفسهم أكثر كمسيحيين. لقد كانت الإمبراطورية التي مثلوا جزءا منها كيانا أرثوذكسيا تكمل فيه الدولة والكنيسة كل منهما الأخرى في تناغم مثالي تحت قيادة «الإمبراطور المقدس»، خليفة الرب على الأرض؛ مما يعكس نظاما عالميا مقدرا إلهيا. ولما كانت الإمبراطورية تضم قدرا هائلا من المجتمعات العرقية والدينية في أراض مترامية الأطراف ومتنوعة ثقافيا، فقد كانت موحدة من خلال الولاء للإمبراطور ومن خلال الدين الرسمي الذي تدعمه الدولة. بالإضافة إلى ذلك، على غرار إيران الساسانية، كان رجال الدين الرسمي للدولة غير راغبين في التسامح مع الأقليات الدينية المتنوعة الموجودة داخل حدود الإمبراطورية، هذا في حالة عدم اضطهادهم لهم.
16
رغم ذلك، فإن التطورات التي حدثت في القرون اللاحقة، في أعقاب هزيمة بيزنطة من قبل الأتراك السلاجقة في معركة ملاذكرد عام 1071، ونهب الصليبيين القسطنطينية عام 1204؛ جلبت لبيزنطة - التي كانت تقلصت كثيرا بعد استعادتها عام 1261 - شعورا متزايدا بالهوية السياسية العرقية اليونانية وبكونها مجتمعا سياسيا يونانيا. يرى ألكسندر فاسيلييف أن الازدهار الأخير لبيزنطة أدى إلى «ظهور مشاعر الوطنية بين الشعب اليوناني، تصاحبها العودة إلى أمجاد اليونان القديمة.» يتحدث جون أرمسترونج عن «قومية مبكرة» في هذه الفترة، قائمة على الإحساس بالاختيار الإلهي والحماية الإلهية في وقت الصعوبات والمحن. ونظرا لأن الكنيسة والشعب أصبحا «إسرائيل الحقيقية»، فقد تمتعا بنعمة الرب الخاصة، وعزز هذا الشعور العداء الشديد من جانب رجال الدين والعوام المتحدثين باليونانية تجاه كل من اللاتينيين المهرطقين والأتراك الكفار. في الواقع، كانت الثقافة اليونانية واللغة اليونانية قد انتعشتا من جديد بالفعل في البلاط الملكي وفي إطار البيروقراطية في القرن التاسع، في وقت استعيدت فيه اليونان نفسها من السلاف والألبان، وأصبحت ذات أهمية أكبر للهوية الأرثوذكسية البيزنطية وللمجتمع الأرثوذكسي البيزنطي بسبب غزو البلغار والسلاف والأتراك لبلاد الشرق الأدنى والمقاطعات الغربية. بطبيعة الحال، كانت الأرثوذكسية في حد ذاتها شاملة في نطاقها ومهمتها. إلا أنه نظرا لازدهار الكنائس العرقية في أراضي البلقان التي كانت منتمية إلى الإمبراطورية في السابق، ونظرا لأن العهد الجديد اليوناني عززته الليتورجية اليونانية الأرثوذكسية، أصبحت اللغة اليونانية والثقافة اليونانية الوسيلتين الضروريتين، وقدمتا هوية راحت تزداد أهمية يوما بعد الآخر لبقية المسيحيين الأرثوذكس في الإمبراطورية البيزنطية التي تقلصت تقلصا شديدا. في الوقت نفسه، كانت بيزنطة مدينة أكثر منها أرضا تاريخية، وكانت ثقافة عامة عالمية أكثر من كونها مجموعة رموز وأساطير وذكريات سياسية عرقية كونت أساس هذا المجتمع الثقافي. ولم تتخذ الهوية الثقافية والدينية للسكان الناطقين باليونانية في الإمبراطورية الرومانية الشرقية السابقة في البلقان (وفي الشتات) شكلا جديدا على نحو تدريجي لتمثل أساسا لمجتمع يوناني سياسي عرقي إلا بعد سقوط القسطنطينية وقضاء قرون تحت الحكم التركي وتقوية نظام الملل في الإمبراطورية العثمانية لها.
صفحه نامشخص